|
الغارديان فقد وصف اللورد «بيغهام» أشهر قضاة مجلس اللوردات المتخصص في هذا المجال وجود قوات بريطانية فوق الأراضي العراقية بأنه انتهاك سافر للقانون الدولي، فالاحتلال للعراق لم يخلف مئات الألآف من القتلى والضحايا العراقيين إثر تدميره بلداً بأكمله فقط وإنما جاء كذلك باذلال عسكري وسياسي للقوات الغازية، فبالنسبة لبريطانيا حملت الحرب على العراق الخزي والعار لمكانتها الدولية أثر انصياعها لدعوة بوش الابن وتنفيذها أوامر إدارة البيت الأبيض الطائشة والمتهورة بشن حرب على دولة مستلقة ذات سيادة هي العراق، ويجمع المحللون على أن مغادرة القوات البريطانية للعراق هو انسحاب غير مشرف بالنسبة للسمعة التي تتمتع بها المملكة المتحدة على الصعيد الدولي. ومن المرجح أن تنسحب القوات البريطانية من العراق وقد خسرت صيتها ومكانتها بعد أن فقدت احترام المجتمع الدولي لها، فانسحاب عناصرها المنتشرة في مدينة البصرة أواخر الصيف الماضي تحت جنح الظلام نتيجة المقاومة العراقية التي واجهتها شديد الشبه بانسحاب مماثل لقوات بريطانية طردت من عدن اليمنية قبل أربعين عاماً من الآن ومن العراق عشية استقلاله، وقد خلفت تلك القوات بصمات يندى لها جبين الإنسانية إثر قيامها بتعذيب السجناء اليمنيين والعراقيين والأفغان آنذاك وقتلهم وجراء ذلك تعرض جندي بريطاني واحد ليس إلا مرتبته أدنى مرتبة ويدعى «كوربورال باين» لعقوبة الطرد من الخدمة. ومن الضروري التذكير بتلك الوقائع الوحشية لكشف استراتيجية لندن الرسمية والهادفة إلى تقليص المخاوف التي تثيرها تلك الجرائم في أوساط الرأي العام العالمي في محاولة لتطبيعها،علماً أن كلاً من رئيس حزب المحافظين البريطاني ديفيد كاميرون ووليم هيغ يدعمان تلك الممارسات مع تشجيعهما على تصعيد مخاطر حرب لا يمكن أن تحقق أي انتصار في العراق وأفغانستان، وقد أدرج جدول زمني لسحب تلك القوات البريطانية المتواجدة في العراق، ضمن مذكرة عسكرية طرحها «غوردن براون» على الائتلاف المحتل للعراق فرفضها بوش الابن بشكل قاطع لكن هل تصدق نصوص الورقة الانتخابية التي اقترحها الرئيس الأميركي المنتخب أوباما حول انسحاب جزئي للقوات الأميركية المحتلة للعراق؟ فالتمهيد لإجراء تحقيق شامل وعلني حول الذي أصاب العراق يقتضي من وجهة نظر لندن سحب بريطانيا لقواتها المتواجدة هناك بالسرعة الكلية هذا رغم أن توقعات المراقبين تفيد بأن القوات البريطانية المتمركزة داخل وحول مطار بغداد سيتم استبدالها بقوات أميركية لاحقاً. ومما لا شك فيه أن حكومة المنطقة الخضراء في بغداد تواجه ضغوطاً شديدة من قبل أطياف الشعب العراقي ومن خارج البلاد على حد سواء لانتزاع تنازلات من المفاوضين باسم واشنطن حول الترخيصات والامتيازات التي تتمتع بها قوات الاحتلال الأميركي بشكل خاص حسبما جاء في بنود الاتفاقية الأمنية التي تم توقيعها مع الحكومة العراقية. فقد كشفت مصادر إعلامية أن نص الاتفاق النهائي لا يشترط انسحاب القوات الأميركية من العراق أواخر عام 2011 وإنما خروج القوات العسكرية الأميركية من المدن العراقية بحلول حزيران القادم في حين سيخضع المقاولون والمقاتلون الأميركيون الذين أدرجت أسماؤهم في قائمة «نهاية الخدمة» للقوانين العراقية الناظمة للأوضاع الأمنية في العراق والتي تحظر استخدام أراضيه لمهاجمة دولة أخرى، فنتيجة المقاومة العنيفة للشعب العراقي صاغت واشنطن تعهداتها الأمنية المدعوة باتفاقية الأمر الواقع للقوات الأميركية في العراق بشكل يحفظ لها امتيازاتها في البقاء أطوال فترة هناك وعلى ماء وجهها بالنسبة للشارع في الولايات المتحدة. وترافق انتخاب أوباما على خلفية تعهده بسحب تلك القوات الأميركية من العراق خلال ستة عشر شهراً بتغيير خطابه السياسي الذي يؤكد اليوم على تمسكه بما يسميه القوات المتبقية في العراق لمواجهة الإرهاب العالمي ولحماية المدنيين الأميركيين من الإرهابيين وقد قفز عدد تلك القوات الأميركية المتبقية في العراق حسب تقديرات «ريتشارد دارنزنغ» مستشار أوباما الأمني من 30،000 إلى 55،000 عنصر مقاتل. |
|