تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عندما يحسد الكبيرُ الصغيرَ !!

آراء
الأثنين 26-1-2009م
محمود شيخ عيسى

يتفق أفراد المجتمع صغيرهم وكبيرهم على أنّ الحسد مرض فتاك يتغلغل بين هؤلاء الأفراد، فيجعل العلاقة القائمة فيما بينهم محكومة بالتباغض والتنافر والكراهية، وربّما حول هؤلاء التصدّي لهذا المرض بالتحذير من مخاطره المستقبلية،

والطلب من الآخرين عدم إفساح المجال له ليصول بينهم حراً طليقاً.‏

ومن المعروف اجتماعياً أنّ الخطّ البيانيّ للحسد ينطلق من الأسف صوب الأعلى، وبمعنى آخر ولتوضيح الفكرة نقول: إنّ العادة جرت أن يحسد الفقيرُ الغنيَّ وأن يحسد المريضُ المعافى، والصغير قدراً وقيمة الكبيرُ مكانة ومنزلة.‏

كلّ هذا يبدو مفهوماً، لكنّ العربة تنعطف انعطافاً حاداً فجأة، وتسلك طريقاً مغايراً للطريق الذي ابتدأت السير فيه، وتنقلب الأمور رأساً على عقب متخلية عن أوهى خيط كان يربطها بالمنطق والمعقول.‏

كلّ ذلك يجري عندما نشاهد الكبير يحسد الصغير، ويتمّ التركيز على الكبير هنا لأنه يشكّل الحاضنة الملائمة لانتشار الوشاية والدس والنميمة ، والغريب أنّ الذي يمارس هذه الهواية المنكرة لدى الكبير هو إنسان يكاد يتفق أفراد المجتمع على نبذه وعدم الاكتراث به، بعد أن فاحت رائحته واشياً ودسّاساً ومغرضاً، وهي رائحة غير مستحبّة يفرّ أبناء المجتمع منها فرار السليم من الأجرب.‏

يأتي الصغير إلى الكبير فارغاً من كلّ شيء، ويحاول التقرّب منه بشتى الوسائل وبأيسر الطرق، ويبدأ برمي الصنارة ليعرف حجم السمكة التي يمكن أن تسقط فريسة أسلوبه الماكر الملتوي.‏

ويسبق عملية رمي الصنارة ما نسمّيه باللغة العسكرية القصف التمهيديّ، والقصف هنا مركّب من النفاق الخالص والتزلّف البغيض، أما مادته الأولى فإسباغ كمّ ضخم من الصفات على الكبير باعتباره وحيد دهره وفريد عصره، فالعناية الإلهية في نظر المنافق الصغير هي التي اختارت صاحب المكانة والكرسيّ والجاه لهذا المكان، وهو الذي سيعيد بمواهبه الفذة وعبقريته الخلاقة الأمور إلى مسارها الصحيح، بعد أن اشتط الكبير السابق في حرفها عن هذا المسار حين ترك الأمور لأعوانه والمقربين منه ليعيثوا في الحمى فساداً.‏

يطرب الوافد الكبير لهذا المديح الكاذب، فيكون بهذا الطرب قد أعطى الصغير اللبنة الأولى ليمضي في بناء صرح هائل من الكذب والوشاية والدس والنميمة.‏

ثمّ تبدأ الخطوة التالية من مشروع الصغير بالسيطرة على عقل ومشاعر الكبير، وهي المرحلة الحرجة في العلاقة بين الاثنين، عندما يحمل الواشي مسطرة التقييم ويشرع برسم خطوط التقييم فيرفع من قدر هذا، ويحطّ من قدر ذاك، لكنه يضع خطاً أحمر لا يسمح للمرفوع بتجاوزه لكي لا يصبح في نظر الموشى لديه أهمّ من الواشي الصغير نفسه، فيزاحمه مستقبلاً على المكان الذي يطمع ولا نقول يطمح بالوصول إليه، لأنّ المسافة بين الطموح والطمع كبيرة.‏

يستمرئ الكبير فتات الصغير ويصبح الاستماع لنشرته الأخبارية والإخبارية المفصّلة هواية بل مرضاً يحكم وثاقه حول عنق وعقل الكبير.‏

وتأتي المفارقة المضحكة المبكية، القاسية المفجعة عندما يضع الصغير في خاطره التقليل من شأن موظف بسيط، ويبدأ حياكة المؤامرة فيصوّره لدى الكبير على أنه مصدر خطر يستفحل أمره يوماً بعد يوم، وما على صاحب القرار غلاً التصدّي لخطره واستئصاله بأقصى سرعة.‏

وتدور حملة واسعة من الأكاذيب والتهم الرخيصة الباطلة حول هذا الإنسان النقيّ الطيّب، ويعمل الواشي على زيادة سرعة دورانها.‏

ونرى الكبير يعدّ هذا النقيّ عدواً له فيحسده على محبة الآخرين له، وإعجابهم بسجايا وأخلاق هذا العدوّ المفترض.‏

ولنا أن نسأل أين ثقافة هذا الكبير، وأين بعد نظره، وكيف سمح لجاهل دعيّ بقيادته على دروب البعد عن الحكمة والتخبط في إطلاق الأحكام العارية عن الصحة والدقة؟!.‏

ألم يعلم هذا الكبير أنه إذا فعل ذلك فلن يبقى كبيراً، بل يقذف نفسه إلى الهاوية هاوية السخرية به من قبل الآخرين، وسيشيرون إليه بالبنان ويقولون هذا الكبير الذي يحسد الصغير، وتضيع المقاييس، ويبقى الكبير مذنباً لأنه سمح لمن ليس أهلاً للتقييم بالتقييم، ولم يوقفه عند حده من اللحظة الأولى، ولو فعل لكانت الأمور على غير ما يراه اليوم من تراجع Mahd1960@hotmail.com ">وانهيار.‏

Mahd1960@hotmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية