|
آراء من أهلنا في القطاع أيضاً كنت أتابع -مابعد انتهاء كابوس الحرب والجريمة في القطاع، وكنت أعجب أشد العجب -مع الاعجاب بالطبع- وأنا أصغي إلى (حكايات) يرويها عبر الفضائيات العربية -المنصفة- مثل (الجزيرة) أطفال فلسطينيون -كتبت لهم الحياة، وفي الخضم الدامي الرهيب- الذي استمر طوال اثنين وعشرين نهاراً وثلاثاً وعشرين ليلة، لقد كبروا ونضجوا -أحرقوا المراحل: اجتازوا -في غضون أيام فقط -مراحل الطفولة والفتوة والمراهقة بل والشباب ووصلوا إلى مرحلة النضج كأنهم في الثلاثينيات من العمر أو ربما في حكم الأربعينيات أو أكثر. وإذا كانت الحيرة قد استبدت برجل فقد زوجته واحتار بابنته من أين له بأم لها فإن الحيرة لم تأخذ عدداً من الأحياء الصغار الذين احرقوا المراحل لكن دعني أذكركم أن هؤلاء الصغار لن ينسوا أبداً ما حدث وإن عاش بعضهم لمئة من السنين، الصغار لا ينسون (الأحداث المهمة المؤثرة) التي تمر بهم خاصة بعد سن الثالثة أو الرابعة. نحن ثقفنا أطفالنا على المحبة وعلى التسامح ورسخنا فيهم قيم الإيمان والثقة والتمسك بالحقوق ومعنى الشهادة في سبيل إحقاق الحق أيضاً وهذا من طبعنا كعرب ومسلمين. لنتوقف لحظة عند العدو المغتصب وأفعاله الطرية النارية المشتعلة إلى اللحظة في قطاع غزة، إن ما حدث في القطاع يجيء بعد (كامب ديفيد-والتطبيع) بنحو ثلاثين عاماً وأيضاً يأتي بعد أوسلو بنحو خمسة عشر عاماً ونيف معنى ذلك أن القتلة الجنود وقادتهم -الضباط- قد تربوا على (التطبيع) أو في ظلاله أو هذا ما ينبغي أن يكون ولكن لندع النظريات جانباً وتعالوا إلى بعض ما وصل إلينا مما كان يحدث في القطاع- خاصة في المناطق القريبة من الحدود- وتلك التي وصلت إليها الدبابات الصهيونية-مع الجرافات بالطبع. قتلوا ودمروا ولم ترف لهم جفون ،قتلوا بدم بارد وسخروا من الأطفال قبل أن يقتلوهم بالتباري على دقة الإصابة فيما بينهم من يصيب (القلب) أولاً؟. لقد روت طفلة أنهم كانوا يقذفون الأطفال الفزعين بما تبقى من (أشياء) لديهم بعد أن يأكلوا المعلبات ويتضاحكوا والأطفال يتعلقون بثياب الأمهات الذبيحات، أكثر من ذلك أنهم كانوا يجمعون البشر في مكان واحد ثم يقتلونهم بالدم البارد إياه وبعد ذلك يجيء دور الجرافات، وأتذكر ما كان قد حكاه جندي صهيوني عن قيادته (جرافة) وهو لم يكن يعرف كيف يقودها في أثناء الهجوم على مخيم جنين في عام 2002 كنت أفعل ما يمكن أن يهدم البيت فورا من دون انذار ، أهدمه على رؤوس من فيه، هذا حرفياً ما جاء على لسانه ولكن في القطاع تقدم العدو خطوات أوسع نحو النأي عن صلف وسلوك البشر بحيث بدا لي أنه مخلوق من صنف آخر من البشر فأي ثقافة تشرب منها هذا الجندي؟ أي حليب أرضعته أمه الصهيونية كي يفعل ما عجز عنه (النازيون والفاشست والمغول والتتار والبرابرة)؟ بل إن مجرد التفكير بمجاراة من يتحدث اليوم عن (إمكانية التعايش معهم) في عالم واحد يجعلني أشعر بالرعب كيف لنا أن ننام مطمئنين وهؤلاء القتلة الجزارون بقربنا؟ بل لا بد أن أنقل قلقي إلى أولادي وأحفادي أيضاً ، مجرد تصور أن هذا الهول وقع في قطاع غزة بعد ثلاثين عاماً على الصلح والتطبيع مع مصر أكبر دولة عربية وبعد نحو ستة عشر عاماً على (أوسلو) والسعي (الكاذب) إلى (حل الدولتين) يجعل شعري يقشعر في بدني. عن أي بشر نتحدث؟ هذا هو السؤال؟ عن بشر كل ثقافتهم تقوم على (إبادتنا،استئصالنا، قتلنا، ونفينا، و..) وكل مفردات الكلام الذي يريد أن يصل إلى إفراغ الدنيا منا. الحق أقول: نجح الصهاينة في تثبيت أمر كان محل نقاش مدة طويلة إمكانية التعايش بيننا وبينهم قد لا يوافقني سياسيون لا بأس ، لست سياسياً لكني أقول من جديد: فلسطين لا تقبل القسمة على اثنين، فلسطين إما لأهلها وإما لغزاتها ولأن شعبنا أثبت إن في جنين وإن في القطاع أنه من النوع الذي يمكن أن يموت ولا يفرط بحقه التاريخي فأنا على ثقة أن فلسطين ستعود كما كانت أبداً عربية. أما متى فليس الأمر بذي شأن ننتظر عشرات أو مئات السنين ولن نسلم لهؤلاء ما هو حق لنا ،إنهم أثبتوا استحالة العيش معهم (بسلام) اللهم إلا في حال واحدة هي أن يكونوا مجردين من أي قوة أو سلاح وحتى من سكاكين المطابخ. أتكلم عن ثقافتين متناقضتين وعن اتجاهين متعارضين ولا بد من التوضيح أن مسار التاريخ يخضع دائماً للتصحيح- وكل ما هو خارج عنه يذهب ويصبح جزءاً من تجارب الإنسانية المريرة و (إسرائيل) أبرز خروج قسري عن مسار التاريخ الإنساني. Nawafabulhaija@yahoo.com |
|