|
محطة هو أمرٌ واقعي بإمكانه النمو والتطور والتصاعد، وصولاً إلى كسر القوة الصهيونية المتغطرسة وإجبارها على الاعتراف بهذه المعادلة الجيواستراتيجية الجديدة. فمن المعروف أن باحثين ومحللين غربيين وإسرائيليين عديدين كانوا دائمي التنبيه إلى «خطورة نجاح عبد الناصر في إقناع الرأي العام العربي بتحدي النفوذ الاستعماري»، لأن ذلك من شأنه تحطيم عامل الردع السيكولوجي (النفسي)، المزروع في وعي الناس وأذهانهم بأن «القوة الغربية المتقدمة لا تقهر، ولن ينجح أحدٌ من العالم الثالث في تحديها ومقاومتها». لذلك كانت جهود الدول الغربية الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية منصبّة على إسقاط جمال عبد الناصر، فضلاً عن وصم منهجه بـ«عدم الواقعية»، وذلك عن طريق توجيه «الضربات التأديبية» الدورية القاسية ضد حكمه وشعبيته الهائلة في الوطن العربي، بهدف إفهام الجماهير العربية أن تحدي الغرب أمرٌ مستحيل. وما حصل قبل ذلك تجاه عمر المختار ويوسف العظمة وغيرهما من رموز المقاومة الوطنية العربية، يؤكد هذه الاستراتيجية الاستعمارية الموروثة والمستمرة. وما تمارسه «اسرائيل» منذ اقامتها في عام 1948 يشكّل تجسيداً لهذا الأسلوب السياسي-النفسي التقليدي، الذي يقوم على إنزال أوسع تدمير وقتل وسفك دماء بالقوى الشعبية المدنية الحاضنة للمقاومة، بغية فك الارتباط بين الجانبين، وجعل المواطنين يعتقدون بأن دعم المقاومة لن يجلب لهم سوى الهلاك، ومحاولة إيصالهم نفسياً ومعنوياً إلى مرحلة اليأس والإحباط والتسليم بالهزيمة، وهو ما حاولت «اسرائيل» التركيز عليه منذ عام 1967 إلى اليوم عبر وسائلها الإعلامية المختلفة وحربها النفسية الممهدة أو المتزامنة أو اللاحقة لحروبها العسكرية المستمرة بمعدلات متواترة. وبالتالي، فإن خوف «اسرائيل» والدول والمؤسسات والقوى الداعمة لها، لا ينحصر في «حزب الله» أو «حماس» أو «الجهاد» أو «الشعبية» أو غيرها من منظمات المقاومة، وإنما الخوف من اقتناع الشعوب بنهج المقاومة، وتحوّل إعجابها وتعاطفها الكبير إلى اعتقاد راسخ وفكر وإيديولوجية وايمان لا يتزعزع. وعندئذ تصبح المقاومة «واقعية» سياسية لا مناص من التعامل معها، وتتلاشى ألاعيب التسوويين، وتفشل تكتيكاتهم، القائمة على «التفاوض للتفاوض»، لأنها ببساطة لا تستند إلى أي دعم جماهيري من جهة ولا تحمل أية أوراق قوية لفرض شروطها وتوجهاتها من جهة أخرى. لقد أظهر العدوان الأخير ضد أهل غزة وحجم الضحايا الكبير من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين عموماً، وقبله على أهل الجنوب والبقاع في لبنان (في عام 2006) أن «اسرائيل» معنية «بتحطيم دماغ» ومعنويات الشعب الحاضن للمقاومة، لئلا تتجذر في تلافيفه الفكرة القائلة بـ«واقعية» المقاومة ونهجها وأسلوبها، والايمان بإمكانية وحتمية نجاحها وانتصارها على العدو الصهيوني ومشروعه الاستعماري الدخيل. وفي هذا السياق تجدر الاشارة الى أن انتصارات المقاومة وصمودها منذ عام 2000 إلى اليوم، شكلت رافعة قوية لمشاعر الأمة وتلاحمها العظيم، ما يعني فشلاً ذريعاً للنهج الاستسلامي الذي حاول الهيمنة على مدى العقود الأخيرة، وبذلك تحطمت عناصر مهمة من خطة الحرب النفسية للأعداء، في مقابل انتعاش المدّ النضالي والجرأة في المظاهرات الضخمة والشعارات المرفوعة، الداعية إلى الانخراط في المقاومة ورفض مظاهر الاستسلام وعدم قبول «واقعية» اليائسين، اللاهثين خلف ألاعيب العدو ومخططاته ومشاريعه التوسعية الخطيرة. وغنيٌّ عن القول أن من يتجذر في الأرض، مستقوياً بشعبه هو الذي يملك أقوى الخيارات والأوراق، وبالتالي فإنه يمهد السبيل أمام توسع دائرة الالتفاف الشعبي حول نهجه، والوصول إلى إبداع أساليب جديدة في المواجهة والتفاوض بآن معاً، دون تجاهل أي طاقة أو كفاءة أو خبرة فلسطينية أو عربية أو حتى أجنبية صديقة، داعمة للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة. وتبقى اللحمة الوطنية الفلسطينية بالمعنى الواسع لها هي الخيار الأقوى والسلاح الأمضى، الأمر الذي يتطلب حوارات معمقة وقبولاً للاختلاف ومرونة واسعة، وعملاً على التنسيق الميداني بين قوى المقاومة والجماهير الشعبية الداعمة لها علىالأرض في مواجهة العدو المشترك، الذي يخشى هذه الوحدة المبنية على نهج المقاومة الشاملة، وعدم التفريط بأي حق من الحقوق التاريخية والوطنية والسياسية والقانونية والإنسانية للشعب العربي الفلسطيني. kh-aljarad@hotmail.com |
|