تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الهدر والميزان المائي

منطقة حرة
الخميس 5-4-2012
مروان دراج

كانت كميات الهطل المطري للموسم الحالي ضمن المعدلات التي يمكن وصفها بالمرضية قياسا بمثيلاتها في سنوات ماضية , وثمة توقعات بحضور نتائج ايجابية لجهة المحاصيل الزراعية بأصنافها المختلفة ,

لكن رغم حقيقة التبدلات التي طرأت على الميزان المائي , هذا لا يمنع من التذكير بضرورة الاستمرار في سياسة ترشيد استخدامات المياه , ذلك أن الكميات الهاطلة لا تعني الوصول إلى الميزان المائي المطلوب لجهة تعويض المخازين الجوفية التي تراجعت في أعقاب سنوات الجفاف التي أسهمت في تشجيع شريحة واسعة من الفلاحين على هجرة أراضيهم وتسجيل بلدنا على قائمة بلدان المناطق الجافة .‏

ولعل الأولوية الملحة التي يفترض أن تسبق كل ما له علاقة بأساليب ترشيد المياه , تتمثل في ضرورة العمل على إعادة النظر في البنى التحتية لشبكات مياه الشرب التي تعود للمنازل وللمنشآت الصناعية , فحسب بعض الدراسات والأبحاث التي تصدر عن وزارة الري والمؤسسة العامة لمياه الشرب , هناك شبكات مضى على إحداثها أكثر من نصف قرن ودون أن تبادر المرجعيات المسؤولة الى تحريك أي ساكن أو اتخاذ إجراء من شأنه الكشف عن الشبكات ومعالجة المشكلات التي طرأت عليها بفعل التبدلات المناخية التي تسهم في اهتلاك أنابيب الضخ والوصلات التي غالبا ما تكون مصنعة من المواد البلاستيكية , وحسب بعض الدراسات , هناك كميات عملاقة من مياه الشرب يتم تبديدها ولا يستفاد منها رغم الحاجة الماسة لها, وهي قد تصل في بعض شبكات ريف دمشق إلى نحو ( 57 ) بالمئة من إجمالي الكميات التي يتم ضخها , وهذا الرقم وحده يكفي لشحذ همم المسؤولين وتحفيزهم على ضرورة ليس فقط صيانة الشبكات وإنما استبدالها كليا .‏

وبمنأى عن الهدر الناجم عن اهتلاك الشبكات , فحين نشير إلى ضرورة إنعاش برامج الترشيد لا نعني التحسب من إمكان مواجهة أزمة خلال الصيف الذي بات على الأبواب , وإنما الأمر وببساطة يندرج في إطار أخذ الحذر والحيطة , فالمعدلات السنوية من الهطل المطري تنوس سنويا بين ارتفاع وانخفاض , وليس هناك ما يضمن الوصول مستقبلا إلى نسب قريبة أو مشابهة للموسم الحالي .‏

والترشيد المقصود يتعين أن يتكئ على سياسة عقلانية تقوم على دراسة الواقع وتكييفه مع ما هو قائم , وهذا الأمر بحاجة ليس فقط إلى تكثيف حضور الوعي بين شرائح المجتمع , وإنما أيضا إلى خطط وبرامج من جانب الفعاليات القائمة على تنفيذ وترجمة سياسة الترشيد , وبلغة أدق , ثمة حاجة لإعداد خطة عنوانها الأساسي تحقيق التكافؤ بين التوزع المائي والتوضع الجغرافي , وما نتحدث عنه لا يعني ولا بأي حال من الأحوال تشجيع الهجرة المعاكسة بين المدن والقرى , وإنما السعي إلى توزيع المنشات الصناعية بطرق ممنهجة ومدروسة , خاصة وأن المنشات التي شيدت أو التي في طريقها للتشييد , لا تقوم فقط بتوفير المزيد من فرص العمل , وإنما أيضا تتطلب منها منتجاتها استهلاك كميات كبيرة من المياه ,...وكذلك لا بد من إعادة النظر في كثير من أساليب الوعي المتبعة في الزراعة , انطلاقا من كون هذه الأخيرة بحاجة إلى كميات تفوق الاستخدامات الأخرى , ففي بلدنا ورغم كل ما تحقق من نهضة في أساليب مكننة الزراعة , فان الري الحديث والذي أخذت به غالبية بلدان العالم منذ أواسط القرن الماضي , ما زال أقل بكثير من الطموح.‏

ومثلما هناك ضرورة للتعاطي بطرق حديثة في ري المحاصيل الزراعية , ثمة ضرورة للوقوف بوجه كل مظاهر الهدر, سواء من خلال الاستخدامات المنزلية أو في الشركات والمؤسسات العامة والخاصة , وأيضا في الحدائق والمسابح والمتنزهات العامة , فقد كشفت تجربة سنوات الجفاف بكثير من الوضوح , إن البعض لم يتوان عن هدر كميات كبيرة سواء عن قصد أو غير قصد , فمظاهر مثل تنظيف السيارات العامة والخاصة ب ( الخراطيم ) أو تجاهل الصنابير مفتوحة لأوقات طويلة بهدف الحصول على المياه الباردة في فصل الصيف , كل هذه المظاهر لا تمت إلى روح المسؤولية بصلة ولا بد من التشجيع على نبذها , انطلاقا من دراسات جادة تؤكد , أننا لم نصل بعد إلى مخازين مرضية من المياه الجوفية .‏

marwandj@hotmail.com ">‏

marwandj@hotmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية