|
شؤون سياسية ذلك أن الحرب القائمة على سورية هي عالمية من الخارج بقواها وأدواتها وهي ذات مساس بالمصير الوطني والقومي والإنساني من داخلها، بصورة مكثفة نستطيع الآن أن نقول إنها قصة الحياة أو الموت، إنها قصة الوجود أو العدم، إنها قصة البقاء أو الفناء، ويدعم هذه الفكرة من منابتها إلى مظاهرها هذا النسق من الاستهداف الهمجي لسورية. فكل إنسان هو هدف للقاتل وأدواته وكل مؤسسة هي في جوف الخطر وكل أسرة هي مقصد لخطوات الشؤم واللؤم القادمة في موكب الإرهاب الأسود، ويتكون الآن الاعتقاد السائد بأن هذه المعركة نهائية ولن يكون فيها مطرح للتحايل أو التهرب من الاستحقاق ومن الدروس والنتائج القائمة في هذا الصراع، ولعلنا ببساطة نشعر الآن بأننا محاصرون وتحت ضغط شديد بين واقع الحرب علينا ومستوى المنهج الذي نتعرف فيه على الحقائق والذي يسعفنا في وضع الأمور في نصابها والتحرك من بؤرة النار والموت إلى حيث نستطلع الصورة بكاملها ونتبين ميادين ما يجري وتحديد القوى الفاصلة أو العاملة في هذا الصراع الواسع والعميق، نعم يجب أن نشعر بدرجة الحصار ما بين الواقع ورؤية هذا الواقع ولسببين اثنين يجب أن يحدث ذلك، أما الأول منهما فهو قائم في درجة الخلط والاختلاط التي أطلقوها علينا، وعلى سبيل المثال الخلط بين المعارضة وإشهار السلاح على الوطن والمواطن، الخلط بين الإسلام بسماحته وحرمة الدم فيه وتصنيع راية للجهاد الإسلامي تجري عملية التصفية بلا تردد لكل إنسان سوري، والخلط بين تقويم ونقد للواقع الذي كان وللحال الراهن بما في ذلك شجاعة تحديد الخلل وبما في ذلك موضوعية وضع الأولويات للخروج من مأزق الدوران في المكان والزمان، وبين ادعاءات مستوردة ظاهرها الحراك والمطالب وجوهرها الفتنة والقتل، ولنلاحظ أن هذه النظرة للخلط والاختلاط كان لابد أن تحاط بأنساق فكرية وثقافية عبر مادة اعلامية هوجاء تزور وتفبرك وتخاطب الغرائز وتروج (للبطولات) على أن ذلك كله في سياق الخلط والاختلاط سيكون من خصائصه الأولى أن ينتج مصطلح ولربما مفهوم(الموعد السانح) أي تأسيس الفرصة المناسبة لتدمير الوطن السوري من أصله، ثم يأتي دور السبب الثاني وهو المتصل بالأداء السوري العام في مواجهة هذا العدوان من جهة وفي الاصطفاف الأخلاقي والفكري الفردي والجماعي منه، لابد أن نستذكر ببساطة أن موقفنا كوطن وشعب وتاريخ ومستقبل ليس أمراً تلقائياً يترك لتيارات الريح الهوجاء المتلاطمة والمتصادمة والقادمة إلينا من مصادر سوداء وإن كان بعضها في المحيط وإن كان أغلبها في الواقع الإقليمي والعالمي، إنني أتحدث هنا عن مصطلح في غاية الأهمية هو (ثقافة الموقف الوطني) ولايمكن أن يدخل في هذه الثقافة مزاج أو رؤية ذاتية ولا يمكن أن يمد هذه الثقافة بنسغ الحياة أسلوب عشوائي يصغر الكبائر ويكبر الصغائر، إن للوطن أي وطن في لحظات حاسمة كالتي نعيش ترتيباً في الأولويات وترسيخاً لفقه القاعدة القائلة بضرورة دفع الخطر الأكبر بالخطر الأصغر ومن هنا فإن ثقافة الموقف تلطم بل وتلعن الآن كل أولئك الأفراد والشرائح والمجموعات التي تتلطى تحت الظلمة وعند المنعطف باختيار الانتظار عمّا سوف يتكشف عنه الصراع وعمّا سوف تؤول إليه المعركة الكبرى من نتائج، وهذا المعنى يداهم بالمقام الأول النخب السياسية والثقافية والإعلامية ولاسيما ما كان منها قد استغل الوطن إلى آخر نقطة في لحظة الرخاء ويتوارى اليوم في الظلال وبطريقة النأي بالنفس في لحظة الشدة. وأعود للفكرة بأصلها والحصار مضروب على كل واحد منا بين سور الإرهاب والمساحة المفتوحة على كل قيم الوطن وجغرافية الوطن المفتوحة أمام كل سوري، وفي هذا المقام أقول لم تعد السياسة بتكاليفها وأساليبها تصلح لاستيعاب ما يجري علينا ولتفسير ما يراد بنا وللإمساك باحتمالات الخروج من هذه المعركة الكبرى، إن المسألة بحقيقتها تقع في أصول النفس والوعي والموقف الفكري والتقاط المخاطر منذ الآن لما يراد فينا ولنا ولنتصور الكارثة حينما نغادر وطنيتنا ونترك إسلامنا ومسيحيتنا لأولئك الذين احترفوا قتل الشعوب ووأد الحضارات على الطريقة التتارية والصليبية واليهودية، ألم نقل إنها ثقافة الموقف وهي المبدأ الذي يعادل وجودنا في الميدان كما يفعل أبطال الميدان من قواتنا المسلحة، ويتصور الآخرون بأن الشعب في سورية سيترك المقاتلين بطريقة أن اذهبوا أنتم وربكم فقاتلوا فإنا هاهنا قاعدون، وحينما تصبح المعركة تحت مصطلح دمشق ووجود دمشق فإن الموقف والفعل في الميدان يتآخيان ويتلازمان وعندها سوف تنتصر دمشق وقد انتصرت وعندها لا مكان لحاقد أو منتظر أو صامت أو منحاز عن الحقيقة. |
|