|
ثقافة حرية تعبير أحيطت بأسلاك شائكة ورافقها تضليل إعلامي لا تزال أصداؤه تتردد في الساحات الثقافية وقد فاجأت اهتزازات تلك الفضيحة شريحة واسعة داخل الأوساط السياسية والثقافية والقضائية في بلاد العم سام يومذاك لتناولها تعبيراً لا علاقة له بحرية الكلمة المنشودة في الدستور الأميركي الأمس كما اليوم وكانت هذه الحرية قد طالت قصيدة «عواء» للشاعر الشاب آلان غينسبرغ (29 عاماً) من مجموعته الشعرية التي تعرضت مع ناظمها وناشرها للملاحقة القضائية في 8 آب عام 1957 حيث افتتحت يومها جلسات مقاضاة غينسبرغ ولورانس فيرلفيني الشاعر المترجم والناشر المعروف في سان فرانسيسكو والذي كان وراء نشر تيار أدبي دعي (الجيل الطفيلي) لكن الناشر الشاعر ربح الدعوى القضائية وتمكن من إصدار أعمال كل من هنري ميلر وجان جينيه ودي انش لورانس المحظورة قبل هذا التاريخ في الولايات المتحدة. اليوم يتناول فيلم «عواء» هذه الأحداث ويسلط الأضواء على تلك الإفرازات الأدبية وما يشوبها من مهاترات وانتهازية تخفي الهيمنة على الأوساط الثقافية الغربية بالمجمل وكيفية تحريكها الشارع الأدبي والفني . حاولوا مصادرة ديوان الشعر يومئذ في سان فرانسيسكو لاحتوائه على تعابير وكلمات فحشاء مقتبسة من الواقع الأميركي أيضاً لأنه يكشف عن جذور الثقافة الأميركية داخل مجتمع استهلاكي يحفر قبره بأظفاره. ويتكون نص قصيدة عواء من جمل طويلة لا تنقيط فيها وقد اعتبر شعراً جديداً سمي (الشعر الحر) انسابت أبياته كموسيقا الجاز عن الحياة الأميركية الجنسية والأخلاقية بما فيها المخدرات. وكانت تشريعات البلاد المحنطة يومذاك تحظر الحديث عن الدعارة والعلاقات الجنسية والإدمان رغم تفشي تلك الظواهر في المجتمع الأميركي وسرعان ما ظهر غينسبرغ ليرفع الغطاء عن قوانين الرقابة على الكلمة وحرية التعبير الغائبة في الممارسات العملية والفكرية كما انبرى اتحاد الحريات المدنية للدفاع عن (عواء) وسارع النقاد للتعبير عن قيمة هذه القصائد ووقعها على الجمهور واستطاعت القصيدة رغم الحظر والعقوبات المفروضة على صاحبها وناشرها أن تجوب العالم كما أعادت وسائل الإعلام اليسارية في الولايات المتحدة إلى الأذهان محاكمة رواية جويس الشهيرة «عوليس» عام 1921 متهمة هذا العمل الأدبي بأنه إباحي. ويلعب دور البطولة في فيلم «عواء» جيمس فرانكو للمخرج روب ايبشتاين وجيفري فرايدمان كما يتم الاستعداد حالياً لتصوير فيلم حول حياة آلان غينسبرغ الذي توفي مطلع نيسان 1997 وكان غينسبرغ قد كتب في مقدمة المجموعة الكاملة لأعماله عام 1986 التي نشرتها دار غولينز الشهيرة قائلاً: «عندما نظمت قصيدة عواء كنت أرمي إلى القاء قنبلة نفسية موقوتة تفجر الضمير الأميركي». وهذا ما حصل بعد أن تمكن وليم بوروس نشر «الوليمة العارية» عام 1959 بعد إصدار هنري ميلر رائعته «مدار السرطان» وتعرضه إلى ستين مقاضاة قبل أن تبرأ ساحته وروايته عام 1964 ولم تقتصر العقوبات والاتهامات في الولايات المتحدة على المؤلفات الأدبية لا بل طالت أيضاً الأعمال الموسيقية والفنون التشكيلية فمن المعروف أن اتحاد الحريات المدنية طالب بمقاضاة حكومة واشنطن لامتهانها فرض حظر على منشورات ذات أهمية فنية عام 1998. يقول غينسبرغ: لا يزال الخواء يقيم داخل كل منا ومن المستحيل القضاء على فساد المجتمعات وتقويض أركانه من حرية غير أخلاقية إلى ديمقراطية زائفة ومضللة في أسوأ الأنظمة. وهذا ما يطرحه فيلم «عواء»: قضية الخواء المستفحل في المجتمعات الغربية. |
|