|
فضاءات ثقافية الذي أغرتهم مغامرة السرد بأن يخوضوا مغامرة التجربة والتجريب في هذا المجال، ولعل الشاعر اللبناني عباس بيضون واحداً من تلك الأسماء، التي حاولت عبر روايتها الجديدة ألبوم الخسارة، أن تقدم منجزها الروائي الثاني في هذا السياق، الذي يطرح أكثر من سؤال، عن مدى نجاح تلك التجارب، وقدرتها على الإخلاص للفني والسردي فيها أكثر من إخلاصها للكتابة السيرية، التي تحتل مساحة واسعة في تلك الأعمال.
لاشك في أن التجريب يعد ملمحاً واضحاً في كثير من التجارب الروائية الحداثية التي تروم كسر الإطار السردي الواقعي في نسخته الشائعة عربياً، وهي محاولات بقدر ما تعكس هاجس البحث والتجديد، فإنها لابد أن تعاني نتائج تلك المحاولات على مستوى البنية السردية الحكائية للرواية. لكن التجريب الذي تقدمه مساهمات الشعراء القادمين من خارج التجربة السردية، لابد أن يحمل معه بعضاً من تأثيرات الحقل الإبداعي الذي يعد مجاله الحيوي كالشعر عند عباس، حيث يظهر أثره في اللغة الشعرية ذات الإيقاع السريع للسرد، والتقطيع المشهدي الذي منحه عناوين خاصة، مستبدلاً بها التقسيم التقليدي للرواية إلى فصول. ملامح التجريب تقتحم جملة الاستهلال حدث الرواية المركزي من دون مقدمات أو تمهيد، كما تفعل الرواية الواقعية غالباً، حيث يتركز هذا الحدث في عرض الحالة الشعورية التي تنتاب المرء عادة، في مرحلة خريف العمر، وهو يعاين حياته تشرف على نهاياتها، بعد أن يبلغ الستين من العمر، إذ يبدأ يدرك حجم الخسارة التي بات يعيشها مع تلك السرعة، التي باتت تتحرك فيها أعوام العمر في هذه المرحلة. إن هذه الإشكالية الوجودية على مستوى الوعي الذاتي الحاد لبطل الرواية تمثل البؤرة المركزي التي يتحرك معها وحولها السرد الحكائي ووعي بطل الرواية في علاقته مع العالم والذات، ما يجعل الكاتب عبر استخدامه لضمير المتكلم يهيمن على عالم الرواية ويطبعها بطابعها الايديولوجي الخاص، ابتداء من جملة الاستهلال الأولى في الرواية، حيث يتخذ السرد الاستعادي لذكريات ووقائع حياته الماضية شكلاً من أشكال المحاكمة لطبيعة الوعي الذي كان يهيمن على سلوك تلك الشخصية ومواقفها في تلك المرحلة، التي يحاول اختبار عمق الألم الذي تركته على صفحة النفس بالكتابة، وصولاً إلى نوع من تصفيه الحساب مع تلك الحياة التي عاشها أو كان من الممكن أن يعيشها أو يحلم بأن يعيشها. وإذا كان العنوان الرئيس للرواية بما يمثله من إطار عام جامع واختزال مكثف لمضمون الرواية، قد أفصح عن المعنى الدلالي والمحوري لتلك الحياة التي عاشها بطل الرواية، فإن ما يسعى السرد لتحقيقه هو إعادة تجميع مزق صور هذا الألبوم لاكتشاف صورة الرجل الذي كان يقتفي أثر ظله. إن السؤال الذي تحاول الرواية أن تجيب عليه، يتمثل في: هل الحياة التي نحاول أن نستعيدها في الكتابة هي الحياة الحقيقية أم تلك التي كنا نتأمل أن نعيشها أو كان من الممكن أن نعيشها، وإلى أي حد هي تشبهنا أو نحن نشبهها، وكيف يمكن لنا أن نتقاسم معها الذكرى والألم والوعي بوجودها وأسرارها لاسيما عبر علاقاتنا بالآخر/ المرأة والآخر الذات الأخرى/ القرين لنا، عندما نحاول أن نواجه ذاتنا وقد عرتها الكتابة من أوهامها تماماً؟ |
|