|
فضاءات ثقافية ولا يكاد يمضي يوم دون صدور كتب تتوقف عند هذه الكارثة التي ستحيق بالبشرية، سواء باستحضار أصولها التاريخية، أو بتأكيدها استناداً إلى الاكتشافات العلمية والفلكية الحديثة، أو بتناولها كظاهرة مجتمعية يحتد حولها الاختلاف. اجتاحت هذه الحمى الأوساط الأدبية والسينمائية والفنية والإعلامية، حيث ظهرت مئات الكتب لعل أشهرها رواية دان براون «الرمز الضائع» وخصوصاً رواية ستيف ألتين «نبوءة المايا»، وعشرات الأفلام أهمها «2012» لرولاند أمريش و»ميلنخوليا» للارس فون ترير، ومئات الأغاني أنجحها جماهيرياً «بانتظار نهاية العالم» لبريتني سبيرس، علاوة عن الأشرطة الوثائقية في قنوات جادة مثل ديسكفري شانيل, وهيستوري شانيل. ليس غريباً أن يركب أولئك جميعاً الموجة لأغراض تجارية، على غرار المكسيك الذي يستغلها لإنقاذ موسم سياحي مما أحدثته معارك عصابات المخدرات، فإن الغريب حقاً أن تعتنق تلك الفكرةَ فئات عريضة من المجتمعات الغربية المتقدمة، سواء في أميركا حيث المكالمات تتهاطل على وكالة «الناسا» لمعرفة سبل النجاة إذا حمّ القضاء في اليوم الموعود، وفي أوروبا حيث يقدَم الناس في فرنسا أفواجاً منذ سنين على قرية جبلية بمقاطعة أود تدعى بوغاراش، إذ يسود اعتقاد بأن في جوف جبلها مسلكاً يؤدي إلى قاعدة لسكان الكواكب الأخرى، أو مدينة مخفية كانت ملجأ للأطلنط الغابرين، يشاع أنها الملاذ الوحيد في العالم إذا أزفت الساعة. وإذا كان الإنسان قد وقف من الظواهر الطبيعية موقف ضعف وخوف منذ القدم، ونشد معونة الآلهة منذ طوفان بلاد ما بين النهرين حتى الآن، ورأى في كل كارثة نهاية العالم، فإن نبوءة المايا هي مجرد أسطورة نشأت من تأويل خاطئ لتقويم تلك الحضارة البائدة. فالحقيقة كما يشرحها المؤرخ المكسيكي إريك فلاسكيز أن تاريخ الثالث والعشرين من شهر كانون الأول من العام الحالي يمثل نهاية الـ«باكتون» الثالث عشر» والباكتون هو وحدة زمنية تعادل مئة وأربعة وأربعين ألف يوم» الذي انطلق بداية من 13 آب عام 3114 قبل الميلاد، يبدأ بعدها «باكتون» جديد، لاعتماد المايا على نظام الدورات cycles في حساب الزمن. هذا الخطأ بدأ في مطلع القرن العشرين يوم عُثر في موقع موكوسبانا الأثري من ولاية تابَسكو بالمكسيك على نقوش بمسلة مايوية كبيرة يرجع عهدها إلى منتصف القرن السابع الميلادي، فسرها علماء الآثار بكونها تقويماً ينتهي بنهاية العام 2012، وفسّرها غيرهم ممن يميل بهم طبعهم إلى تأويل العلامات للنفاذ إلى بواطنها الخافية بأنها علامة تشير إلى نهاية العالم، وبنوا على ذلك أوهامهم. والحال، كما يقول عالم الآثار المكسيكي خوسي روميرو، أن ما يحويه ذلك المعلم الأثري ليس تاريخاً ولا نبوءة ولا إشارة لنهاية العالم، وإنما هي نقوش تروي حياة سيد من سادة الجهة وتخلد معاركه ومآثره، و»باكتون» ينتهي بنهاية هذا العام موذناً بـ«باكتون» جديد. |
|