|
الثلاثاء 4-12-2012 منذ أشهر كثيرة، وربما سنوات، اعتاد أن يبدأ مساءه بمتابعة الأخبار على مواقع الانترنت حتى صارت اهتمامه المسائي الوحيد، وعلى الرغم من تأكيده لطبيبه أنه سيلتزم بتحذيراته المتكررة حول وجوب اقتصار جلوسه أمام شاشة الكمبيوتر على وقت قصير محدد تتخلله استراحة كل ربع ساعة، لكنه في واقع الحال لم يلتزم قط بما وعد به فساعات جلوسه أمام الشاشة كانت تبدأ منذ بداية المساء وتستمر حتى اللحظة التي يتجه فيها إلى سرير النوم، بل إنه لم يعد يجرؤ أن يشكو لطبيبه ألم الرأس ووجع الرقبة واعتلال المزاج وقلق النوم والشعور الدائم بالإعياء والملل..فقد اقتنع بينه وبين نفسه أن هوايته الانترنتية تستحق هذه التضحيات وسواها من التضحيات التي قدمها على مذبح الانترنت كمتابعة مباريات كرة القدم، وجمعة الأصدقاء حول طاولة (الطرنيب)، وقراءة الكتب الأدبية والتاريخية والسياسية بين حين وآخر.. دخل إلى غرفة الجلوس كزائر طالت غيبته، لم تسأله زوجته عن سر هذه الزيارة غير المألوفة فهي بدورها قد وضعت اللاب توب جانباً وجلست تشكو من انقطاع النت، قال لها مستفزاً (بفتح الفاء) ومستفزاً (بكسرها..الفاء): - كأنك ولدت واللاب توب في بيت أهلك.. أجابته باللهجة ذاتها: - لأ بس لتكون أمك أنت فطمتك أمام الكمبيوتر.. وتفادياً لمواجهة غير محسوبة النتائج استبدلت لهجتها فوراً بلهجة هادئة وقورة: - الله يمد بعمرها حماتي كانت تقول دائماً إن الأشياء الجديدة في حياتنا تبدأ كترف أو كماليات ثم تصبح من الأساسيات.. بدا أنه أمكن تجنب مشكلة غير محمودة إلى أن أمسك بجهاز التحكم التلفزيوني وبدأ ممارسة هوايته القديمة بالانتقال بين المحطات معتبراً اعتراضها غير مبرر فهي لا تتابع المسلسل التلفزيوني منذ بدايته، وهي في الأساس قد شاهدته عدة مرات، أجابته أنها لا تتابع مسلسلاً. فعقّب: إذاً لا لزوم لمتابعة برامج الطبخ، فأنت أصلاً لا تصنعين شيئاً مما يقدمون فيها، وبإمكانك استبدالها بكتاب (الشيف مدحت) المركون على رف المكتبة منذ سنتين.. قالت أنا أتابع برنامجاً وثائقياً، أما عن الكتاب فكتاب الطبخ حظه ليس أسوأ من كتبك المركونة بجانبه وقد كادت تتعفن لقلة الاستخدام لانشغالك بلعب (الطرنيب) على الكمبيوتر.. صاح غاضباً: أنا لا أفعل هذا بل أنت من يلعب الورق لتكشف عن حظها، أنا أتابع مواضيع هامة على الانترنت، أجابته بحدة: ومن قال لك إني لا أتابع شيئاً مهماً، وهل تعلم أصلاً ماذا أتابع، أو حتى ما يفعل الأولاد؟؟ على ضجة الوالدين حضر الولدان وفي أعينهم استفسار لا يخلو من بلاهة زادت من عصبية الأب المستفز أصلاً فتوجه نحوهما يسألهما بصوت حانق: - وماذا إذا انقطع النت؟ كنت (تصرعنا) أثناء تدربك عل الغيتار وكنا راضين، منذ متى لم تعد تسمعنا عزفك لأنك متلهٍ ب (الفيسبوك) و(الأي فون)؟.. وأنت منذ متى لم تعودي ترسمين منشغلة طوال الوقت ب(الأي باد)؟ تشجع الابن المراهق وأجاب: - وأنت أيضاً لم تعد تحدثنا عن حكايات التاريخ والأدب، ولا أمي عادت تنصحنا بما نقرأ، أو تحكي لنا عن واحدة من الروايات التي قرأتها.. **** في اليوم التالي كتبت شابة صغيرة على صفحتها في (الفيسبوك): عندما انقطع النت اكتشفت أن لدي عائلة لطيفة.. |
|