تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تدويل عجز العرب !

كل أربعاء
الأربعاء 6-1-2010م
سهيل ابراهيم

تذهب نزاعات العـرب فيما بينهم في مـعـظـم الأحـيان إلى التدويل ، حين تصطدم الكيانات القطرية بأطـراف حـدودهـا المصطنعة ، تـرتمي في فخ التدويل ، و حين تضطرم نار الخلافات الـداخـلـيـة على خلفيات سياسية أو مطلبية في الكيان القطري الواحد ينفخ عشاق المجتمع الدولي في جمرها،

كي يمتد لهيبها و تصبح تهديداً لأمن قومي مجاور ، فتعلو الأصوات من كل النواحي طلباً للتدويل ، باعتباره آخر الدواء الذي لا مهرب منه !‏

من تدويل النـزاع الصحراوي بين الجزائر والمغرب ، إلى آخر مساعي استدراج عروض الـتـدويـل فـي الـيـمـن ، كـم مـرة نجح دواء الـتدويل في استرجاع العافية لمن جربه و اسـتـسـلـم لمـضـاداتـه الحـيـويـة المـسـتـوردة من خـلائط كيمياء التشريع في مجلس الأمن ، أو المؤتمرات الـدولـيـة الـمـوازيـة التي تتطوع أطرافها لمعالجة أزمات البشر ، وفق أجندة المصالح التي تلائم استراتيجياتها الكبرى !‏

الـتـجـربـة تـقـول إن التـدويل في مختلف الأزمات العربية التي سقطت في يده ، تحول إلى الحلقة الأكثر تعـقيداً في كل أزمة ، وهو لم يمارس مرة واحدة دور الإطفائي المجرب في إخماد الحـريـق ، بل كان دوماً يمارس لعبته المفضلة في إزكاء النيران ، فيصب عليها الزيت بدلاً من الـمـاء ، ويـدخـل الـفواجع الناجمة عن الأزمة في رصيد حساباته الجارية في المصارف الدولية المخصصة لاستثمار الصراعات في دول العالم الثالث ، و تكاليفها الباهظة !‏

من أجل ذلك ظـلـت الصحـراء المغـربـيـة مـحـل ربـط نزاع بين الجزائر و الرباط كل هذه العقود ، و الاسـتثمار الدولي في الصراع عليها ما زال جارياً ، و من أجل ذلك أيضاً ، فخريطة السـودان مـرشـحـة كي تصـبـح مـزقـاً مـن الجنوب إلى دارفور ، بعد أن احتضن التدخل الدولي كل الـعـصبيات العرقية و القبلية و الطائفية فيها ، و غذَّى فكرة الانفصال في الجنوب و نزعات التمرد القبلي في دارفور ، و وضع الرئيس البشير تحت سيف الملاحقة الجنائية الدولية .‏

التدويل أصاب الصومال أيضاً ، و هبطت مروحيات الجيش الأمريكي على ترابه ذات يوم مـدجـجـة بالجـنـود و السلاح ، و رابطت بوارجه الحربية على سواحله ، فكان الحصاد مراً ، لم يـنـل الصـومـال مـنـه سـوى الـتمزق و الاحتراب و المنازعات العبثية التي عصفت بكل شيء ، و فـتحت المصير الصومالي على المجهول في غياب الأمن و النظام ، أما العراق الذي حاصره الـتـدويـل قـبل الغزو و بعده ، و شمله المجتمع الدولي ببركة الاحتلال المباشر ، فرياحه لم تنبئ بـوجـهـتـهـا بعد ، لأن رهان التقسيم تحت عنوان الفيدرالية ما زال الورقة الرابحة في يد المحتل قـبـل أن يـخـلـي مـدن العراق لأهلها و تعزف فرقته الموسيقية العسكرية لحن الوداع ، لأن فكرة الـعـراق الـمـوحد تحبط نتائج الغزو ، و تنسف أهدافه التي اجتاح من أجلها بلاد الرافدين منذ ما يقرب من سبعة أعوام !‏

الـيـوم جـاء دور الـيـمـن ، و جاء موسم استدراج العروض لتدويل الأزمة فيه ، و بريطانيا العـظمـى التي لم يجف بعد دم اليمنيين الذين صرعتهم على تراب اليمن قبل عقود قليلة في ظل اسـتـعمارها الأسود لعدن ، بريطانيا هذه ترفع اليوم راية تدويل النزاع في اليمن ، و تفتح أبواب لـنـدن لاستقبال مؤتمر دولي لم تتكشف بعد هويته ، و ملامح المشاركين فيه ، و الهدف الحقيقي الذي يـرمـي إلـيـه ، غـيـر أن تـجـارب العقـود الماضية علمتنا أن نشتبه بكل دعوة للتدويل يرفع الغـرب رايـتـهـا ، فـكـيـف إذا كانت بريطانيا حاضنتها الأولى ، و كيف إذا كان اليمن هو ملعب النار الذي يتأهب لاستقبال ذلك الإطفائي الانكليزي الموغل في الدم اليمني لعشرات من السنين .‏

يـستحق اليمن و وحـدة اليمن و مسـتـقـبل اليمن ، جهداً من نوع آخر ، تخلَّف العـرب حتى اليوم عن أدائه ، فهل يملأ التدويل فراغهم في هذه الدورة العبثية من العنف في شـعـاب اليمن أم تصحو بهم الضمائر و لو تأخر الوقت ؟.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية