تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حقيقة ما يجري في العالم العربي بمنظور رجل استخبارات فرنسي

عن : لوغراند سوار
ترجمة
الثلاثاء 4-9-2012
ترجمة: منير الموسى

في دعوة له إلى جمعية نيس كوت دازير الإقليمية التابعة للمعهد العالي لدراسات الدفاع الوطني، آلن شوييه رئيس الاستخبارات الفرنسية الخارجية السابق والمعروف بخبرته بالعالم الإسلامي قدم رؤية مهمة ودقيقة لما يجري في العالم العربي.

إن الظروف السيئة التي طرأت في الفصل الأول من عام 2011 المتعلقة بحركات الثورات العربية أصبحت اليوم حقيقة. لقد عرضت لها في أكثر من كتاب ومجلة وعلى عكس تيار الرأي العام الغربي الذي - بشكل عام- هو متحمس وساذج على وجه الخصوص. لأنه يجب أن تكون بسيطاً كي تصدق أنه بين ليلة وضحاها فوران الديمقراطية والحرية مثل اختراع المصباح، وفقط بفضل الانترنت الذي لا يبحر فيه سوى أقلية من أصحاب الامتيازات في تلك المجتمعات.‏

فما أن مرت فقاعة الحرية مع تحريض ناشطي الفيسبوك حتى وجب أن تظهر الفقاعة. والسلطة وقعت في أيدي القوى السياسية ذات التنظيمات التي غفلت عنها الحكومات القومية، ولأن تلك القوى كانت مدعومة من الملكيات النفطية التي تحكم حكماً لاهوتياً والتي تشاطر الغربيين في سياساتهم وقيمهم لكونها تشكل متراساً ضد تأثير الكتلة الشرقية: القوى الدينية الأصولية والربيع العربي لم تتحمل سوى ستة أشهر لتتحول إلى شتاء إسلاموي.‏

في تونس ومصر اقتسمت الأحزاب الإسلاموية، الأخوان المسلمون والمتطرفون السلفيون، البرلمانات بأغلبيات كبيرة وهي البرلمانات التي أعقبت ثورات شعبية. وهم يديرون بشكل مشترك الوضع مع القادة العسكريين الذين كانوا مرغمين على مراعاة دور الفاعلين الاقتصاديين المسيطرين، ولكنهم ابتعدوا عن المطالب الشعبية التي حملتهم إلى السلطة. وهم مازالوا على دأبهم في ممارسة لغة مزدوجة، فيفعلون عكس ما يعلنون.‏

ففي مصر وبعد إعلانهم في ساحة التحرير في ربيع 2011 بأنهم لا يطمحون للسلطة قط، نرى الآن أنهم وصلوا إلى سدة رئاسة الجمهورية واستولوا على الأغلبية البرلمانية وكامل السلطة السياسية.‏

وفي تونس وبعد أن أعلنوا رسميا التخلي عن إدخال الشريعة في الدستور، ينظمون في المدن المتوسطة الأهمية والأرياف وبعيدا عن انتباه وسائل الإعلام الغربية لجان رقابة دينية لتطبيق قواعد مستوحاة من الشريعة. وهذا التحرك يصل تدريجيا إلى المدن الأكثر أهمية حتى العاصمة حيث تتنوع إجراءات المنع، من رقابة على الصحافة، وقهر الحريات الأساسية وبالتأكيد حقوق المرأة والأقليات. وهذه القوى الرجعية لا تخشى شيئاً رغم قرب الاستحقاقات الانتخابية. فما دامت تلقى التمويل من السعودية وقطر فهي تشكل عربون خضوع في العالم العربي، فهما لديهما كل الوسائل لشراء الضمائر وتشكيل الزبانية الذي يبقي إلى أمد هيمنتهم على مشهد سياسي ديمقراطي مهشم، منقاد يستطيع أن يقاوم كل ما يمكن أن يعطي إيحاء غير مرغوب فيه واتهامه بالزندقة.‏

ليبيا واليمن غرقتا في الفوضى. فبعد أن تجاوزت قوات الأطلسي إلى حد بعيد المهمة الموكلة إليها والتي أوكلتها بها الأمم المتحدة، دمرت نظام القذافي وغدت ليبيا فريسة لشهية العصابات والقبائل المتناحرة التي قررت الدفاع بالسلاح عن مربعها المحلي وعن حصصها في العائدات. و«المجلس الوطني الانتقالي» البائد الذي رأى النور على يد برنارد هنري ليفي يسير في طريق الانحلال تحت ضربات رؤساء العصابات الذين معظمهم نشطاء سابقون في تنظيم القاعدة المدعومين والممولين من قطر التي تريد أن تقول كلمتها في أي تسوية بشان حصتها في استثمار موارد البلاد النفطية.‏

وفي اليمن خروج الرئيس علي عبد الله صالح فتح الباب للقوى البعيدة عن المركز التي لم تنفك تقض مضجع هذا البلد الذي أعلن عام1990 توحيد جزئية الشمالي والجنوبي وحتى اللحظة لم يدر كما ينبغي بسبب السعودية بشكل خاص التي تخشى اندفاع هذا الجار المشاغب ولذلك لم تتوقف عن إغراقه بالمتطرفين من القاعدة والتكفيريين الذين يرعون الفوضى بلا هوادة في الجنوب والوسط حتى أبواب العاصمة صنعاء ومناطق نفوذ الزيديين الذين لا يطيقهم آل سعود.‏

فقط الدولة السورية تقاوم هذه الحركة الأصولية المتطرفة التي عمت العالم العربي بسبب جهل عام وخزي وشنار دولي.‏

أزور سورية بانتظام منذ عام 1966 وعشت فيها عدة سنوات، ولا أزعم أني أعرف جيدا هذا البلد ولكن أعرفه أكثر من هؤلاء الصحفيين الذين يدخلونه مدة ثلاثة أو أربعة أيام ويخرجون منه وهم مليئون باليقين!‏

في سورية لا ينطبق في التحرك الذي يشجع عليه الغرب ويحركه في المنطقة.ومصادر الأخبار عن سورية هي من المرصد السوري لحقوق الإنسان وهي تسمية تطن في آذان الغربيين والتي أصبحت بالنسبة لهم مصدر الأخبار الوحيد، وهو لا علاقة له من قريب أو بعيد بمنظمة حقوق الإنسان الدولية المحترمة، بل هو فرع من منظمة الأخوان المسلمين ويديره إسلامويون منهم من هو مدان بسبب ارتكابه أعمال عنف في سورية، وتمركز هذا المرصد في نهاية الثمانينيات في لندن في أحضان الاستخبارات الانكلو سكسونية وهو يعمل بشكل شبه كامل بتمويل سعودي والآن قطري.‏

وأنا اليوم أفاجأ عندما أرى الصحافة الغربية وخاصة الفرنسية وهي تستخدمه كمصدر وحيد للأنباء بخصوص سورية ودون البحث عن حقيقة ما ينشره.‏

والمصدر الثاني للمعلومات والمفضل لدى الغرب المجلس السوري التي أنشئ عام 2011 في اسطنبول على غرار الانتقالي الليبي بمبادرة من الحكومة التركية، والذي من المفترض أن يجمع كل المعارضة السورية، ولكنه سرعان ما أعلن عن لونه ليرفع رايته بدلاً من الشعارات الديمقراطية.‏

كما أن الإعلام الغربي والساسة الغربيين شاهدوا دون إدانة أو اهتمام بالقمع الدامي الذي مارسته الدبابات السعودية والإماراتية للمحتجين في البحرين ولا حتى المجازر في نيجيريا، التي ارتكبتها ميليشيات بوكو هارما.‏

وبشأن اختطاف أربعة أعضاء من محكمة الجزاء الدولية وحجزهم دون وجه حق على يد «الثوار» الليبيين فتم التعامل مع قضيتهم بشكل هامشي وكأن لا أحد يرى في إعلامنا، الذي كانت ستثور ثائرته لو أن هذا الاختطاف جرى في سورية أو في الجزائر أو أي بلد موضوع على الرف لدى المدمقرطين، أو تلك الديكتاتوريات الإسلامية الآتية من عالم الأموات.‏

ومع غياب المنطق والأخلاق نحن مدعوون لنتساءل عن تلك الشيزوفرونيا التي يتمتع بها مسؤولونا وإعلامنا. والمستقبل سيقول إذا ما كان انبهارنا الطفولي بالشعبية الجديدة التي يحركها الانترنت وإذا ما كانت الاستثمارات الكبيرة لقطر والسعودية في اقتصادنا المأزوم تستحق أن نبدي المحاباة لصعود البربرية التي نكون مخطئين إن ظننا أننا بمنأى عنها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية