|
شؤون سياسية بداية، لابد من التأكيد على أن التحضير للعدوان كان واضحاً قبل حصوله بنحو ستة أشهر حيث طلب وزير الحرب الصهيوني باراك من أجهزة المخابرات حصر مواقع حماس وغيرها من حركات المقاومة مع تحديد المراكز الحساسة مثل معسكرات التدريب ومخازن الأسلحة ومقار سكن المسؤولين ثم وضعت خطة الهجوم وحفظت في الأدراج ليتم إخراجها قبل شهرين من بدء العدوان. والجدير بالذكر أنه مع الذهاب إلى انتخابات اسرائيلية مبكرة آنذاك، بدأت الأحزاب والتيارات الاسرائيلية تتنافس باتجاه التشدد مع الفلسطينيين وضرورة وضع حد لإطلاق الصواريخ على المستوطنات الاسرائيلية، فمن تسيبي ليفني وأولمرت إلى باراك وصولاً إلى نتنياهو بدأت المزايدات وبدأ التسابق باتجاه من يقتل من الفلسطينيين أكثر في الوقت الذي يستمر الحصار الظالم على القطاع. وبالفعل ترجم ذلك التنافس إلى عدوان منفلت من كل الضوابط وخارج عن كل قوانين الحروب، وتفاخر الاسرائيليون آنذاك بأن الهجمات حققت أو أصابت 98٪ من الأهداف المحددة، مدعين أن القصف الجوي دمر جميع المواقع التي تخص إطلاق الصواريخ من القطاع، مشبهين ذلك بما حصل أثناء ما يسمى بعملية الوزن النوعي التي استهدفت صواريخ حزب الله في الحرب على لبنان صيف عام 2006. لقد حددت اسرائيل لعملياتها في غزة هدفين هما: وقف إطلاق الصواريخ من قبل حركة حماس، و إيجاد قوة ردع تمنع تنفيذ أي نوايا أو خطط لمهاجمة اسرائيل من قطاع غزة مستقبلاً ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل استطاعت اسرائيل تحقيق هذين الهدفين؟ الجواب لا، فحركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى كلها صمدت صمود الأبطال رغم بشاعة آلة الحرب الاسرائيلية والجرائم التي ارتكبتها، وظلت الصواريخ تطلق من غزة باتجاه المستعمرات الاسرائيلية حتى آخر يوم في الحرب، ومن جهة أخرى استطاعت المقاومة أن تغير المعادلة على ساحة المعركة، بحيث لم تستطع اسرائيل استعادة قوة الردع التي كانت تتمتع بها والتي كانت قد تحطمت منذ حرب تشرين التحريرية عام 1973، وبعدها في الحرب الاسرائيلية الغاشمة على لبنان في العام 2006 وفرضت المقاومة نفسها كقوة في غزة يستحيل القفز من فوقها أو تجاوزها. كذلك أرادت إدارة الرئيس بوش المنصرف أن تحقق من الحرب على غزة أي نصر ولوكان رمزياً بعد الخيبات التي لحقت بها في العراق وأفغانستان وغيرهما على مدى ثماني سنوات من حكمه البائد. لقد أكد العديد من الخبراء والمحللين السياسيين والعسكريين في حينه أن الحرب على غزة جسدت سياسة الارتباك والهروب إلى الأمام عبر الإمعان بسفك الدماء والتدمير الهمجي للبشر والحجر، وهذا ماتشير إليه معادلة معروفة تقول: كلما ازداد العدو عجزاً ازداد بطشاً وكبر مأزقه، واتسعت مساحة قمعه. لقد تصور الاسرائيليون وأنصارهم أن غزة هي الخاصرة الرخوة في جسم المقاومة الذي يتصاعد ويكبر على الساحة العربية ولكنهم كانوا واهمين بعد أن لمسوا أن غزة قد صمدت وأصبحت رمزاً وملهماً ومحفزاً لنضال الجماهير العربية، حيث تحرك الشارع العربي بشكل غير مسبوق مطالباً بدعم المقاومة في كفاحها المشرف والبطولي. لقد تأكد لشعبنا العربي في كل مكان وفي فلسطين خاصة أن العدو الاسرائيلي لايفهم إلا لغة القوة ولايمكن أن يكون مع السلام في يوم من الأيام، وبالتالي فإن المقاومة هي الحل الأمثل والأسلم والأجدى فقد أثبتت جدواها في لبنان عام 2006 عندما ألحقت بإسرائيل هزيمة فادحة، وأكدت فعاليتها وأهميتها من خلال صمودها في غزة وتغييرها لقواعد اللعبة، وبالتالي فإن كل من يراهن على المفاوضات وعلى إمكانية رضوخ اسرائيل لقرارات الشرعية الدولية فهو واهم، وخاصة أن اسرائيل تعتمد على دعم الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وهاهي السلطة الفلسطينية التي ركضت لاهثة وراء المفاوضات والوعود تقف يائسة لأنها لم تحصد إلا الفشل الذريع. |
|