|
شؤون سياسية على نحو مأساوي ورهيب والحق، كان يجب أن تغضب الطبيعة على هذا النحو المرعب، لكي يستفيق أصحاب السياسات الكبرى من أوهامهم الموتورة. وكان يجب أن يدفع هذا الثمن البشري الهائل لكي يعي هؤلاء أن ثمة شيئاً غير الإرهاب يغطون به نزواتهم الحربية وكان يجب أن يجرؤ عدد من المسؤولين عن الإغاثة على انتقاد بطء الرد الدولي على الكارثة وشح عطاءاتهم لكي يدرك هؤلاء أن ما حصل فعلاً يتخطى كل مألوف لديهم في السوابق الكوارثية. لقد أحدث الزلزال الذي وقع آنذاك خسائر مادية وبشرية هائلة، إذ وصل عدد المصابين إلى الخمسمئة ألف بين قتيل وجريح، وقد أزيلت جزر وقرى ومدن بكاملها وشرد الملايين وانتشرت الأوبئة والأمراض القاتلة، وكان نقص هائل في المياه الصالحة للشرب. استنفر العالم للمساعدة في مبادرات إنسانية وكان هذا طبيعياً، لكن أحداً لم يقدر لأنه لم يتوقع حجم النتائج المرعبة، ونظراً لخصوصية الموقع الجغرافي فقد كان ثمة تأخير في وصول المساعدات من جهة ونقص فيها من جهة ثانية وأثبت هذا الأمر صحة ماورد في تقرير الخبراء المكلفين من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، لجهة ضرورة التعاون الدولي، واعتبار المسؤولية في مواجهة الكوارث والتدهور البيئي مسؤولية مشتركة جماعية في إطار حماية الأمن الجماعي. والخطير في الأمر أن الولايات المتحدة الأميركية، التي لا تزال العائق الأساس أمام العمل الجماعي الدولي، لأنها تعتبر نفسها المرجعية الدولية المقررة والقائدة وتصر على نظام القطب الواحد في إدارة شؤون العالم. وبالرغم من امكاناتها المالية الهائلة، قررت في الساعات الأولى مساعدات بقيمة 15 مليون دولار، وحمت الرئيس جورج بوش مدة 72ساعة قبل أن يعلن زيادة المساعدات إلى 35 مليون دولار. ما أثار استغراب شخصيات ومنظمات دولية كانت تتابع عن كثب هول الكارثة وحجم آثارها التدميرية والحالات الإنسانية المفجعة. كان المطلوب مبلغاً يفوق عشرة مليارات دولار لمساعدة الناس وإعادة الحياة إلى طبيعتها. دار نقاش داخل أروقة الادارة الأميركية والبنتاغون ومراكز القرار والتأثير المختلفة على ضرورة الخروج من العقلية التي سادت بعد 11 أيلول، واعطاء إشارات إيجابية أكثر عن أميركا ودورها في إصلاح علاقاتها الدولية، وبالتالي الإقدام على تقديم مساعدات عاجلة وخصوصاً أندونيسيا التي تعتبر أكبر دولة اسلامية في العالم. ومع ذلك تأخرت المساعدات وكأن بوش كان يواجه حدثاً عادياً. وراح كثيرون يحذرونه من أن ذلك سيثير المسلمين، لا سيما منهم الذين كانوا يبدون الاستعداد للتعاون، وهذا سيفيد «الإرهابيين»!! وبعد أيام من هذه الحملة، بادرت الادارة الأميركية إلى التحرك الميداني، فأرسلت 1500 جندي مارينز إلى سيريلانكا، وزادت حجم مساعداتها إلى ما يقارب 350 مليون دولار، وتساءل كثيرون لماذا هذا الكرم المفاجئ؟ ما السبب؟ ولماذا تكليف بوش الأب وكلينتون جمع التبرعات؟ فإذا بمحللين سياسيين أميركيين وغير أميركيين يشيرون إلى خطوة سياسية في هذا المجال تمثل في ضرورة الوجود الأميركي في المناطق القريبة من الهند للحد من دورها ونفوذها، وهي الدولة التي قدمت مساعدات عاجلة وسبق لها أن ساعدت دولاً مجاورة لها، ومعروف أن الهند دولة كبرى. وتملك إمكانات وطاقات بشرية ومادية وتقنية وعلمية كبيرة، لكن لها مشاكلها مع دول مجاورة أيضاً وخصوصاً سيريلانكا. وتريد أميركا أن يكون لها موطئ قدم هناك. وهكذا يتكشف للجميع أن الادارة الأميركية، لا تهتم بالقضايا الإنسانية، ولا بالتعاون الدولي، ولاتحترم الالتزامات الدولية التي تقطعها على نفسها، ولا بالمعاهدات التي توقع عليها، الهم الأساسي هو المصالح ولو على حساب معاناة شعوب وأمم تتعرض لكوارث طبيعية أو لحروب من صنع أميركي أو غير ذلك. وهذا واحد من أبرز أسباب الرفض للسياسة الأميركية في العالم. وسبق أن أعدت دراسات كثيرة من خبراء أميركيين مكلفين من قبل البنتاغون والبيت الأبيض، أكدت ضرورة تحسين صورة أميركا في الخارج لأن «العالم لا يكره أميركا وقيمها بل يكره سياساتنا»! وهذا وجه من وجوه تلك السياسات. وفي موازاة موقف الإدارة من زلزال «تسونامي» نشر خبر في الصحف يقول إن عائلات جنود أميركيين قدمت مساعدات للفلوجة بعد «زلزال» الذي أصابها على أيدي قوات الاحتلال الأميركي. قال أحدهم وقد اغرورقت عيناه بالدموع: «قتل ابني في العراق لملاحقته حلماً زائفاً روجت له الإدارة الأميركية، لقد جئت مع زوجتي لتحقيق حلم ولدي الذي أراد مساعدة الأطفال العراقيين». هؤلاء أميركيون، قتل أبناؤهم في العراق، وجاؤوا يظهرون الوجه المشرق لهم، لأنهم مقتنعون بأن الحرب كانت خاطئة، وأن الأحلام التي وعد بها العراقيون كانت زائفة، والمبررات التي شنت على أساسها الحرب ودفع ثمنها المكلف الأميركي ساقطة وكأنهم يقولون: الإدارة لا تقيم اعتباراً لحياة أبنائنا ولا تقيم اعتباراً لحياة العراقيين أو الأفغان وهي بالأمس لم تقم اعتباراً لحياة الألوف في الدول المنكوبة بزلزال تسونامي. أليس ذلك كافياً لكي يكره الناس هؤلاء البخلاء والمخادعين وأصحاب الأحلام الزائفة؟! إن الإنسانية كلها في خطر من جراء هذه السياسات!!. |
|