تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المسؤولية المشتركة ومصير العالم

شؤون سياسية
الخميس 31-12-2009
بقلم الدكتور فايز عز الدين

منذ أن دقت أجراس المتغيرات الدولية في منتصف العقد الثامن من القرن الماضي، تفتحت عيون البشرية باتجاه بناء نظام عالمي أكثر إنسانية يرجح قضايا النمو، وحل مشكلات الجوع ،

والتخلف والاحتلال والسيطرة أينما كانت، ولكن مع الأسف لم يتقدم العالم إلى شيء من هذا، وتم الاكتفاء بخروج الاشتراكية عقيدة وحزبا ونظاما وقطبا ليقال بعد هذا : انحلت مشكلة العالم لكأن مشكلة العالم فقط مشكلة الحرب الباردة بين قطبين ونظامين، وما يستتبعها من ملاحق على صعيد التكتلات الدولية وانقسام العالم، وخلق توترات قارية واقليمية ودولية.‏

وبناء عليه فقد تهاوى الحلم العالمي بالعدل الدولي، والديمقراطية الدولية، وبالازدهار الدولي وبحقوق الإنسان ودخلت البشرية في إهاب حقبة من ارتفاع مستوى التوتر بين أمم الأرض ودارت رحى حروب لم تشهدها حقبة الحرب الباردة، والقطبية الدولية الثنائية وبات يعرف على صعيد عالمي بأن نهاية التاريخ مقولة غير صحيحة، ولاصدام المدنيات كذلك، ونظام السيد الأميركي لم يكف العالم في السياسة ليكون عادلا ولا في الاقتصاد لتخرج من تحت خط الفقر الملايين، ولا في الحقوق لتشعر الدول بالمسؤولية المشتركة عن بناء عالم التعامل والتكامل.‏

ولقد زاد النظام الإمبراطوري مشكلات العالم بأنه أخرج الجميع من التداول بالهبوط الجديد لمليار من البشر الى مادون خط الفقر وبالإساءة للبيئة الطبيعية، والاجتماعية وسوء فكرة المركز والأطراف أو المنتجين والمستهلكين أو تصدير الأزمات بافتعال الحروب العبثية ، أو بقضايا الاحتباس الحراري والدفيئة وما يرافقهما من تغير المناخ والتصحر، وفقدان الأمن الغذائي، أو بقضايا الشعوب التي مازالت واقعة تحت الاحتلال المباشر وحقها بالحرية وتقرير المصير بالإرادة الوطنية الخالصة ولقد استعيض عن كل هذا بأن التهديد العالمي يتحدد ببروز الإرهاب الدولي على مستوى خطير ولابد من حرب عالمية على الإرهاب ولو راح ضحيتها كل نضال وطني تحرري مشروع من الاحتلال.‏

وعاد العالم لخلط الأوراق من جديد. الأولى كانت مع بداية المتغيرات حين سمح للصهيونية بأن يكون ليهودها حق الهجرة من أراضي ما كان يسمى الاتحاد السوفياتي ويعطون حق تهجير الفلسطيني المواطن الآمن على أرضه التاريخية في فلسطين، وكأن المتغيرات لم توجد سوى من أجل ضمان وحماية وأمن اسرائيل فقط.‏

والثانية أن أميركا محتاجة لتصميم صورة عدو دولي جديد حتى يوفر لها ظروف التدخل بالشؤون الداخلية للأمم بغطاء مقنع عالميا، وعليه دارت حوادث هذا العقد الذي انصرم من قرننا الحادي والعشرين الراهن، ولعل هذا العقد سيكون من أسوأ عقود هذا القرن من منظور الغطرسة الإمبراطورية الأميركية في زمن دبليوبوش وما تركته من عقابيل لن تتجاوز دول الأرض الوطنية خطوراتها على الاقتصاد والسياسة والحقوق والأخلاق بعقد قادم على أقل تقدير. وإذا كنا نطل على العقد الجديد من البداية في يوم غد والعام الأخير فهل سيكون ما قد حصل فيه هاما لكي يوضع تحت النظر الاستراتيجي فيما يعني الإصرار على قيام مجتمع إنساني بمؤسسات عادلة واحقاق الحقوق بالقانون الإنساني العالمي وتخليص البشرية من احتلال القوى الغاشمة لأراضيها وتوفير ظروف شراكة تجعل دينامية الخروج من الهيمنة ممكنة.‏

وعلى هذا الطريق فهل يمكن للرئيس أوباما أن يعيد مطالعة حديث زبغنيو بربحنسكي لصحيفة ديرشبيغل صيف هذا العام وهل يمكن لأوروبا بأن تحول دعوة فرنسا لمؤتمر دولي مصغر يطلق المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين في الشهر القادم الى مؤتمر للسلام الدولي العادل والشامل في كل مكان وتجبر إسرائيل وأميركا وكل محتل بما فيه أوروبا على انهاء احتلاله؟ وهل يمكن للأمم المتحدة ومجلس الأمن أن يثبتا حق الشعوب في التحرير وتقرير المصير وبناء الدولة الوطنية باستقلال كامل؟ هل يمكن للجميع أن ينقذوا أنفسهم من البيئة المتدهورة والتصحر وفقدان الأمن الغذائي؟‏

إن مشكلات العالم لا تحل بالاحتلال وسباق التسلح بل بحل مشكلة التنمية العالمية وحقوق الأمم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية