تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


.. مهمة أوروبا

الغارديان .. بقلم: نك كليغ..زعيم الحزب الديمقراطي
ترجمة
الخميس 31-12-2009
ترجمة: ليندا سكوتي

في السابع والعشرين من كانون الأول الفائت، نفذت إسرائيل على غزة عملية عسكرية شرسة أطلقت عليها اسم «الرصاص المصهور» مدعية بأنها تستهدف منها وقف إطلاق الصواريخ المسببة للذعر والهلع لسكان القرى والبلدات الإسرائيلية.

وقد أصبح معلوما لدى الجميع نتائج هذا الغزو وما أسفر عنه من مقتل 1400 فلسطيني معظمهم من المدنيين، وأعداد كبيرة من الجرحى والمشردين يقابل ذلك مقتل 10 من الجنود الإسرائيليين وثلاثة مدنيين وعشرات الجرحى، واضطرار الكثير من العائلات الإسرائيلية الفرار من جنوب البلاد إلى مواقع أخرى أكثر أمنا. ولكن على الرغم من انحسار وقلة الصواريخ المنطلقة من غزة على المدن الإسرائيلية إلا أنها لم تتوقف بشكل تام ومازال لدى حماس الإمكانية لإطلاقها.‏

ذلك ما يعلمه الجميع سواء في فلسطين أو إسرائيل أو العالم، لكن الأمر الذي يجهله الكثير هو ما تعانيه غزة من أزمة إنسانية، حيث شكلت عملية الرصاص المصهور كابوسا يقض مضجع مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون محاصرين في رقعة صغيرة من الأرض تعتبر الأكثر كثافة على وجه البسيطة. وطالما بقيت إسرائيل ومصر تمارسان الحصار على غزة فإن البؤس سيبقى ملقيا بكاهله على هذا الشعب.‏

إن ما ذكرناه آنفا أمر مروع فعلا بحق الإنسانية، وليس من مصلحة إسرائيل ومصر استمراره لأن حجر السكان في رقعة صغيرة من الأرض لن يؤدي إلا لمزيد من الألم والغضب والرديكالية في نفوسهم.‏

يتبادر إلى ذهننا سؤال عما فعلته الحكومة البريطانية والأسرة الدولية من أجل رفع الحصار القائم؟ ونجيب أنفسنا بعبارة «لا شيء». لقد صدر الكثير من التصريحات الرنانة بشأن الحصار، لكننا لم نشهد ممارسة أي ضغط حقيقي لإنهائه. وإنه لعار على المجتمع الدولي ان يقف مكتوف الأيدي إزاء ما يحصل في هذه البقعة من الأرض. بل ثمة دور سلبي يقوم به بعض الحكومات والدبلوماسيين يحذر من ممارسة الضغوط على إسرائيل لأنها قد تقود إلى تعقيد وعرقلة عملية السلام. لكننا نرى أن نتائج استمرار الحصار سيكون أخطر بكثير، إذ كيف سيتحقق السلام في ظل ما نشهده من تدن في المستوى الصحي، وزيادة نسبة الوفيات، وتزايد عدد المصابين بالأمراض العصبية والنفسية وسوء التغذية؟‏

تجابه عملية السلام عوائق عديدة تتمثل بما تنفذه السياسة الإسرائيلية من مناورات ونشاط استيطاني غير شرعي في الضفة الغربية، وبالانقسام الذي نشهده في الإدارة الفلسطينية وتفككها، لذلك سيكون حل الدولتين (الذي يعتبر الحجر الأساس لأي اتفاقية سلام) من الأمور المشكوك في تحقيقها.‏

إن الشلل الذي أصيبت به عملية السلام لا يبرر بأي شكل من الأشكال المعاملة غير الإنسانية التي يلقاها مليون ونصف المليون فلسطيني معظمهم تقل أعمارهم عن الثامنة عشرة. كما أنه لن يكون ثمة تعايش سلمي بين الطرفين طالما بقي الحصار مستمرا على هذا المجتمع.‏

في الآونة الأخيرة تسرب تقرير عن مكتب المنسق الإنساني للأمم المتحدة أشير به إلى تدهور الأوضاع في غزة ما سيفضي إلى انهيار كامل في البنية التحتية. وصدرت تقارير عن منظمات أخرى ومجموعات حقوق الإنسان تشير إلى وقائع أكثر هولا.‏

لقد دمرت الحرب الكثير من بيوت الفلسطينيين، وهي الآن تحظر إدخال مواد البناء، الأمر الذي يعني بقاء ما دمر على حاله. وتركت العيادات والمشافي العامة التي دمرها الغزو دون إعادة بنائها، الأمر الذي جعل المرضى يبذلون مساعيهم للسفر الى خارج البلاد، حيث مات الكثير وهم ينتظرون السماح لهم بالسفر، وأصبح الأطفال يعيشون في كوابيس تقض مضاجعهم.‏

إن نصف الشبان الذين تقل أعمارهم عن ثلاثين عاما يعانون من البطالة بسبب الحصار الذي يعيشونه دون أن يكون لديهم بصيص أمل في تحسن هذا الاقتصاد المنهار. وقد أثر الحصار على صيادي الأسماك من أهالي غزة، إذ أنهم لا يستطيعون تجاوز ثلاثة أميال عن الساحل، الأمر الذي يقود بهم إلى الفقر، يضاف إلى ذلك ما يعانيه السكان من انصباب أكثر من 80 ألف ليتر من مياه المجاري والصرف الصحي يوميا في البحر.‏

يشعر أهالي غزة بالقلق والخوف بسبب عدم حصولهم على التراخيص اللازمة لإدخال مواد تستخدم لإصلاح البنية التحتية للمياه، الأمر الذي جعل 90 الى 95% من مياه غزة غير مطابقة للمعايير الدولية حيث ترتفع بها نسبة النترات مما يلحق خطر التسمم بالأطفال الرضع.‏

وعلى الرغم مما ذكرناه آنفا، تصر بعض الدول على عدم وصول المساعدات إلى سكان غزة عبر حماس، حتى ولو بشكل غير مباشر، الأمر الذي يقود إلى عدم القدرة على القيام بإصلاح المنشآت المائية والصحية اللازمة للمدارس.‏

إزاء ما ذكر، ثمة حاجة أخلاقية لإسرائيل لإنهاء الحصار، وهي على علم تام بأن تغيير هذا الواقع سيصب في مصلحتها، لكن من الأمور المؤسفة أن عدم قيامها بهذا التصرف بإرادتها فإن المجتمع الدولي عاجز عن فرض هذا الأمر عليهما.‏

لا ريب بأن للاتحاد الأوروبي قدرة التأثير على الاقتصاد الإسرائيلي، وهو يرغب في رفع الحصار، لكننا نجده يقتصر بضغوطه على حماس في الوقت الذي يتعين عليه أيضا أن يقوم بعمل مماثل على إسرائيل ويبين لها أن زيادة التمويل، وتحسين المنتجات الزراعية وغيرها من أمور ستكون موضعا لإعادة النظر في حال عدم حصول تقدم سريع في هذا المضمار. كما أنه باعتبار الولايات المتحدة المانح الأكبر للمساعدات الى مصر فإنه بإمكانها الضغط عليها للسماح بمرور المواد الإنسانية ومواد إعادة الإعمار التي تحتاج إليها.‏

نتساءل الآن ماذا سيكون وضع مياه الشرب في غزة في شهر كانون الأول القادم؟ وكيف سيكون الواقع الصحي للأطفال فيها ؟ وماذا سيكون موقف سكانها ؟ لا ريب أن مخاطر الانتظار لعام آخر ستكون مخيفة، الأمر الذي يتعين به على غوردن براون والمجتمع الدولي الإعلان عن الاكتفاء بما حصل وضرورة رفع الحصار.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية