|
صفحة ساخرة ذاك أن الشاعر «خوان رامون خمينيز» (1) الحائز على جائزة نوبل عام 1956 كتب عملاً دعاه «بلاتيرو.. وأنا» ولم يكن بلاتيرو هذا.. سوى حمار صغير. على أن معظم ما قيل في هذا المجال إنما يدخل في مجال الأدب الضاحك، كما لاحظ بحق الاستاذ خليل مردم بك، في معرض تقديمه قصيدة ابن عنين في رثاء حماره، كما بينا في صفحة سالفة. وفي هذا المجال تذكر قصيدة «رثاء عجل« التي أوردها العوضي الوكيل في كتابه «مطالعات وذكريات» حين نفق عجل لإنسان مغمور يدعى «أحمد القرعيش» فأقام أحد أصدقائه حفلة لتأبينه. الحياة الاجتماعية والمداعبات الشعرية وما دامت العادة لم تجرِ، على تأبين الحيوانات، في المجتمع المعاصر على الأقل، فإن المرء لا يملك إلا أن يأخذ الأمر على محمل الدعابة والمزاح والسخرية ولاشك في أن طبيعة الحياة الاجتماعية في الأربعينيات. وقت قيلت هذه القصيدة وما كانت تتميز به من بساطة ويسر، تحتمل هذا النوع من المداعبات الشعرية الضاحكة.. إذ إن هموم مجتمع الاستهلاك الصعب المعقد، لم يكن يعرفها الناس في ذلك الزمن. إن الاستاذ الوكيل، لم يذكر اسم الشاعر صاحب القصيدة، ذاك أنه اكتفى بالقول: «منذ ثلاثين عاماً» - والكتاب صادر عام 1972- وقف أحد الشعراء يلقي مرثيته للعجل الفقيد على لسان صاحبه أحمد القرعيش فقال: خوار.. أحلى من اللحون يا باهر الذيل والقرون أبكيك بالدمع الهتونِ حاذرت فيك المنون حتى وقعتَ في قبضة المنون يا صاحبي في خواء عيشي ويا رفيقي ويا خديني إلى أن يقول: كم خرتَ في منزلي خواراً في السمع أحلى من اللحون وكنت ذخري على الليالي بلحمك الرائع السمين ولم أدوِّرك في السواقي (2) ولا النواريج في الجرون.. إذاً فقد كان عجلاً مدللاً، لم يفعل صاحبه سوى أن يعلفه ويسمنه، وكان عزيزاً عنده، حتى إنه لم يستخدمه في نضح الماء من السواقي، ولافي جر النورج عند البيدر.. خروف الشاعر.. انتحر؟ ويورد الاستاذ الوكيل قصيدتين أخريين قيلتا في مناسبة مشابهة، فقد أهدي إلى الشاعر محمد الأسمر خروف من خراف العيد، غير أنه لم يلبث أن نفق فقام صاحبه يرثيه: ولم أزل مبتهجاً منتظراً قدومه مطبلاً مزمرا حتى علمت أنه فُجاءَةً مات ولاقى حتفه مشمِّرا وأنه استعجل ما كان له - لو لم يمت - مهيأً مقدرا مَن لامه في أمره فإنني عذرته والله، فيمن عذرا لما أحسّ أنه هدية (3) لشاعر، فكر، ثم انتحرا.. وكما يبدو في البيت الأخير فإن السخرية تبلغ ذروتها في هذه الصورة التي تشير إلى رداءة حال الشاعر.. فحتى الخروف رفض أن يكون شيئاً ينتفع به الشاعر.. فانتحر! فَقد «الأحور» السمين.. غير أن القصيدة الثانية للشاعر علي الجندي - المصري - تتجلى فيها الطرافة والدعابة والفكاهة، فإنه يخاطب صديقه صاحب الخروف النافق متحدثاً في سخرية واضحة، ذاك أنه جعل له صفة من صفات النساء الحسان. الحور (!) فَقدُكَ الأحورَ السمين على العيد بلاءٌ طاشت له الألباب إن تكن صابراً فلست تراني صابراً ما توالت الأحقاب وانتحابي عليه قرَّح جفني وقليلٌ لمثله الانتحاب هل خاف الموت أم كان صبّاً؟ ثم ينتقل الشاعر مباشرة إلى الدعابة وتذكر أنواع الأطعمة التي كانت ستطهى وتشوى من لحم الخروف: أين مني «الرقاق» في رقة الشوق إليه وأين مني الكباب أين مني الشواء يملأ سمعي بنشيشٍ تلذّه الأعصاب يالها أكلةً حسبتُ لها الأيام ضاعت وضاع فيها الحساب.. كيف مات الخروف قل ليَ لم يمسسه سقم ولا عداه شباب أتراه تعجَّل الموت خوف الموت والخوف للنفوس تباب أم تراه قد كان صبّاً مُعنّى والصبابات للردى أسباب ولا تقف مداعبة الشاعر ومزاحه مع صاحب الخروف عند هذا الحد، فما دام ثمة مناسبة، هي العيد، والخروف المرتقب قد نفق، فلا أقل من ضحية أخرى. ديك على الأقل قد قنعنا من الضحايا بديك وقليل المُقِلِّ ليس يعاب وسلامي عليك لا.. بل سلامي (4) لثريدٍ تحدى إليه الركاب الهوامش: 1- شاعر اسباني 1881 - 1958 وقد ثارت ضجة ذات يوم إذ ذكر بعضهم أن توفيق الحكيم اقتبس منه فكرة «حمار الحكيم» التي كانت عنواناً لأكثر من عمل لأديب مصر الكبير. 2- (مطالعات وذكريات) تأليف العوضي الوكيل - القاهرة 1972 ص 101 - 104. و(الجرون) هي البيادر الكبيرة في العامية المصرية - مفردها: جرن 3- المصدر السابق - ص 108. 4- المصدر نفسه - ص 108 - 109 - 110. |
|