تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


دمشق أول من حملت اسمه.. البيمارستان النوري مساحة جميلة لتقوية علوم الطب

مجتمع
الخميس 31-12-2009
علاء الدين محمد

المصادر التاريخية تشير على أن أول منشأة حملت اسم بيمارستان في البلاد العربية بالعهود الإسلامية هي دمشق وخاصة أنه مع تعاظم الفتح العربي الإسلامي أصبح وجود الأطباء وأمكنة الاستشفاء من الضرورات الهامة.

ويعد الأمويون أول من أنشأ المستشفيات النظامية إلا أن البلاذري أكد على موضوع الرعاية الطبية التي كانت متمثلة في وضع تشريع خاص بمعالجة الفقراء المجانية استكشافاً لجميع الفقراء والمحتاجين كما وضع تشريع خاص يمنع اختلاط المصابين بالأمراض السارية بغيرهم من الأصحاء السالمين للوقاية من انتشار الأوبئة.‏

في ثقافي العدوي التقت أ. الهام محفوض محاضرة بعنوان «البيمارستان النوري الدمشقي ودوره في تقوية علوم الطب» حيث توقفت عند أهم البيمارستانات الدمشقية.‏

البيمارستان الدقاقي‏

يقال له البيمارستان العتيق والصغير ويقع في المنطقة الجنوبية الغربية من الجدار الغربي للجامع الأموي ورد اسمه في حوادث تعود لسنة 362هـ نسب إلى شمس الملوك دقاق تتش وإن ارتباط اسمه بالبيمارستان يجعلنا نميل إلى القول :إنه وسعه وجدده وأجرى أوقافه وبالتالي نسبته إليه لهذا السبب وتاريخ بنائه يعود إلى سنة 495هـ وسمي بدار الشفاء، وقد هدم جزء كبير من المنطقة المحيطة بالجامع الأموي ولاسيما من جهة الغرب حيث أصبح من الصعوبة بمكان معرفة مصيره اليوم مع أنه أقدم المشافي في العالم.‏

البيمارستان القيمري‏

يوجد قرب مقام محي الدين بن عربي ويعتبر من أجمل العمائر التاريخية التي ترجع إلى أواخر العصر الأيوبي وهو من أعظم آثار دمشق شأناً من حيث التخطيط وغناه الزخرفي أنشأه الأمير الكبير سيف الدين أبو الحسن بن أبي الفوارس ابن موسك القيمري.‏

يدل بناء هذا المشفى على درجة التطور العمراني للمنطقة فنظراً لدور المناظر الطبيعية الجميلة والمشاهد البانورامية في تسريع عملية الشفاء ثم تزويد جميع غرف البيمارستان بنوافذ تطل على مدينة دمشق.‏

البيمارستان النوري‏

بني سنة 549 هـ شيده الملك العادل نور الدين الزنكي حيث كان إنسانيا لدرجة عالية فأدر الصدقات على اليتامى والضعفاء وتعهد ذوي الاحتياجات الخاصة وأوقف لهم أوقافاً خاصة ومن أعظم مآثره في المنشآت المدنية التي زخر بها عهده في دمشق البيمارستان النوري الذي يعتبر من الأبنية الأثرية المتكاملة التي تقدم نموذجاً يمثل فن العمارة في المرحلة السلجوقية من حيث مخططه وطراز عمارته وعناصره المعمارية الزخرفية وتأثره بالعناصر الفنية التي أتى بها الزنكيون من بلاد الرافدين وإيران.‏

طرق العلاج‏

تشير المصادر إلى أن بيمارستان نور الدين كان يماثل القصور الملكية بترفه ووسائل الراحة المتوفرة فيه وأنواع الطعام الفاخر الذي يقدم للمرضى والمصابين كما أن العلاج كان مجاناً للفقراء والأغنياء على حد سواء دون أن تكلف المرضى درهماً واحداً بل كانوا يمنحون لدى خروجهم من البيمارستان ثياباً ونقوداً تكفيهم للعيش دونما اضطرار للعمل لمدة أسبوعين مدة فترة النقاهة ومما يدل على أهمية هذا البيمارستان أحكام التنظيم فيه وأساليب المعالجة وكثرة الأطباء الذين مارسوا فيه التطبيب، وصفه الرحالة ابن جبير عندما زار دمشق في القرن الثاني عشر الميلادي فقال الأطباء يأتونه باكراً كل يوم ويتفقدون المرضى ويأمرون باعداد ما يصلحهم من الأدوية والأغذية حسبما يليق بكل انسان منهم.‏

أطباء درسوا في البيمارستان‏

ومن الأطباء الذين نبغوا في دمشق ودرسوا في البيمارستان النوري علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي الحزم القرشي الشهير بابن النفيس الذي ولد في دمشق سنة 607 هـ 1211م تعلم وعلم في البيمارستان النوري، درس الطب على يد الأستاذ الكبير الدخوار وكان للدخوارية دورها الكبير في ثقافة ومنهج ابن النفيس وفي طريقته العلمية باعتماده على التجربة والملاحظة وتطبيق قواعد المنهج التجريبي وهو القائل «لو أعلم أن تصانيفي تبقى مدة عشرة آلاف عام ما وضعتها» حيث قال العمري عنه في مسالك الأبصار هو الإمام الفاضل الحكيم العلامة علاء الدين ابن النفيس القرشي الدمشقي فرد الدهر وواحده وأخو كل علم ووالده والجبل الذي لا يرقى علاه بالسلالم والحبل الذي لا يعلق به إلا الغريق السالم.. استدعاه السلطان الكامل محمد إلى القاهرة لشهرته العظيمة فعمل في البيمارستان الناصري أشهر مستشفيات القاهرة آنذاك، وفيما بعد تسلم إدارة البيمارستان المنصوري، هذا العالم يعتبر صفحة مشرقة في تاريخ التراث العلمي العربي حيث حظي بشهرة كبيرة تجاوزت عصره بفضل مؤلفاته الكثيرة واعتماده على التشريح المقارن طريقة له في العمل والبحث من أهم أعماله اكتشاف الدورة الدموية الصغرى في الرئتين قبل سرفيتوس الإسباني بثلاثة قرون وقبل نظرة الانكليزي هارفي بأربعة قرون حيث أكد أن الدم ينقى في الرئتين من أجل استمرار الحياة وإكساب الجسم القدرة على العمل.‏

ما تحمله دمشق بين أحضانها وثناياها من أوابد ومبان أثرية لها هويتها الخاصة وطابعها المميز من تكايا ومدارس وزوايا وبيمارستانات ... يجعلنا نقف بكل فخر واعتزاز لما أبدعه أجدادنا الأوائل في كل النواصي منها ما هو موجود حتى الآن ومنها ما عصفت بها رياح الأيام الغابرة إن الروائع التي مازالت باقية لهي أمانة بأعناقنا للأجيال القادمة. ليعلموا أولادهم أصالة حضارتنا وتجذرها التاريخي بين الحضارات القديمة منها والمعاصرة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية