تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الوكالة الدولية للطاقة: الازدواجية.. ومفارقات الضغوط الخارجية

شؤون سياسية
الأربعاء 22-9-2010م
د. محمد البطل*

أظهرت اجتماعات مجلس محافظي (حكام) الوكالة الدولية للطاقة الذرية الـ 35 في فيينا، والتي استمرت أسبوعاً كاملاً، حجم التباينات التي يشهدها هذا المجلس،

وتالياً كيفية تعاطي الوكالة مع الملفات الدولية النووية لعدد من الدول الأعضاء فيها، واستمر التغاضي عن ملفات عسكرية نووية لدول ترفض مجرد الانضمام إلى هذه الوكالة وبالتالي الالتزام بأنظمتها وقوانينها والانصياع لرغبة «المجتمع الدولي» أيضاً.‏‏

فقد شهد اليوم الأول من هذه الاجتماعات (13/9) مواجهة ساخنة بين مدير عام الوكالة يوكيا أومانو ومندوب إيران لدى هذه الوكالة علي أصغر سلطانية، إذ حمل أومانو إيران مسؤولية عرقلة عمل المفتشين الدوليين للوكالة، بسبب اعتراضها على اثنين من فريق المفتشين وصفتهما بأنهما عديما الثقة والشفافية.‏‏

يشار إلى أن هذا الاجتماع لمجلس محافظ الوكالة يأتي بعد تطورات مهمة على صعيد «المجتمع الدولي» والوكالة والمنطقة أيضاً أبرزها اجتماع واشنطن النووي (قاطعته إسرائيل) واجتماع الأمم المتحدة الذي طالب بالإشراف على الأنشطة النووية للدول الأعضاء فيها, فضلاً عن بدء افتتاح وتشغيل محطة بوشهر النووية الإيرانية المخصصة لإنتاج الطاقة، والزيارة «البروتوكولية» الأولى لـ أومانو إلى إسرائيل.‏‏

وتعود سخونة المواجهة بين مدير الوكالة والوفد الإيراني إلى مطالبة الأول بضرورة سحب طهران اعتراضها على 38 مفتشاً دولياً للوكالة، والسماح لهم بزيارة المواقع النووية السلمية الإيرانية، هذا في الوقت الذي أكد فيه سلطانية أن للوكالة أكثر من 150 مفتشاً يمكنها اختيار آخرين من بينهم تتوافق عليهم الوكالة الدولية والدولة المعنية.‏‏

ورغم «شكلية» هذا الخلاف فإنه ينظر إليه بوصفه سياسة تشدد تجاه دولة عضو في الوكالة، أكدت التقارير السابقة للوكالة إيجابية تعاونها وخاصة الزيارة الأخيرة لمديرها العام السابق محمد البرادعي كما أنها تلتزم بأنظمة وقوانين الوكالة، بما فيها الضمانات الإضافية «الضرورية» ووقعت على معاهدة حظر انتشار السلاح النووي ويضاف إلى هذا الخلاف على أهميته محاولة إقحام سورية مرة أخرى، في إطار الدول «المشكوك» بأنشطتها النووية، وخاصة بعد تدمير إسرائيل موقع الكبر في دير الزور عام2007 وسماح سورية للمفتشين الدوليين بزيارة الموقع.‏‏

كذلك إدراج كوريا الديمقراطية ضمن هذه القائمة، بعد أن أبدت استعدادها لتفكيك برنامجها النووي إثر الاتفاق الذي تمّ قبل شهور في إطار اللجنة السداسية الدولية المعنية بالملف الكوري وعدم التزام بعض أعضائها ببنود هذا الاتفاق المهم، وتالياً عودة بيونغ يانغ عن تعهداتها.‏‏

وإذا اعتبر سلطانية تقرير أومانو بأنه غير متوازن ومضلل، وجاء بفعل ضغوط خارجية (في إشارة منه إلى تقارير وكالة الاستخبارات الأميركية وبعض أطراف «المعارضة» الإيرانية، وليس إلى تقارير المفتشين الدوليين أنفسهم)، فإنه لابد من الإشارة إلى أن تقرير أومانو اكتفى بدعوة إسرائيل فقط إلى «التفكير» في التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي وإخضاع منشآتها النووية للرقابة!! (يصنف المراقبون إسرائيل أنها إحدى الدول الست النووية التي تملك سلاحاً نووياً عسكرياً كبيراً)، بعد أن قدم المندوب السوداني باسم المجموعة العربية (22 دولة) مشروع قرار يطالب فيه بإدراج بند قدرات إسرائيل النووية على جدول أعمال الوكالة، وعلى أجندة المؤتمر العام القادم، في الوقت الذي انتقدت فيه الكتلة العربية تقرير الوكالة عن قدرات إسرائيل النووية ووصفته بأنه «ضعيف ومخيب للأمال»!!.‏‏

نشير هنا إلى تصعيد الضغوط الأميركية والأوروبية على الكتلة العربية وأنصارها في الوكالة، خلال اجتماع المجلس لحضها على سحب مشروع قرارها حول ضرورة الكشف عن قدرات إسرائيل النووية والضغط عليها للالتزام بالتوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي وصولاً إلى إيجاد منطقة شرق أوسط خالية من السلاح النووي وأسلحة التدمير الشامل.‏‏

وفي هذا الإطار ينظر باهتمام خاص إلى تهديد المندوب الأميركي لدى الوكالة غلين ديفيز بأن مشروع القرار العربي (قد يؤدي إلى عدم مشاركة إسرائيل في المؤتمر الإقليمي- الدولي الخاص والمقرر عقده عام 2012 حول إخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي)!! كذلك إلى تصريح السفير البلجيكي في الوكالة فرانك ريكر: (إن الاتحاد الأوروبي يرى أن استهداف دولة واحدة لن يساعد في خلق جو جيد في المؤتمر العام ولن يساعد جهود الوكالة الدولية على المساهمة بشكل إيجابي في إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل)!!.‏‏

مابين «التشدد» تجاه اعتراض دولة ما على مفتشين ما، المتزامن مع التزام هذه الدولة بأنظمة الوكالة الدولية، إلى محاولة اقتحام دول أخرى في إطار «الملفات النووية»، مروراً بتجاهل وجود كيان عسكري نووي يرفض الالتزام بأنظمة هذه الوكالة علناً ورسمياً، والاكتفاء بمطالبته بـ «التفكير» بالانضمام إلىعضويتها و«ضرورة» فتح منشآتها النووية، أمام المفتشين الدوليين مؤشرات تشير بمجموعها إلى اللا توازن والازدواجية التي يمارسها المنفذون في الوكالة، وفي هذا السياق ينظر إلى تقرير المدير العام للوكالة يوكيا أومانو أيضاً.‏‏

 باحث في الشؤون الدولية‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية