|
كتب مما لا غنى عنه في الحياة اليومية، وهذا ما أطلق عليه اسم الكناية الشعبية أو العامية، فالكتابات تعابير اصطلاحية من فنون الأدب الشعبي وقد نشأت بالأصل من وجدان الشعب وتداولها الناس مع السلف إلى الخلف، وعملوا منها صقلاً وتهذيباً إلى أن استقرت بما يتوافق عليه الوجدان الجمعي والذوق العام، فكانت تعبيراً صادقاً عما يجيش في النفوس من الآراء والأفكار في صياغة مختزلة لطيفة التعبير. وتتسم بالحلاوة والرقة وتتعايش مع ما يعتلج في الصور وما هم عليه من تواصل وتواد وتراحم وصلات اجتماعية وإنسانية. الكاتب منير كيال يقدم في عمله الجديد ( كنايات الشوام في الألقاب والتخاطب والنداء) دراسة ميدانية، تتناول عوالم دمشق اللغوية حيث يقول الكاتب في بداية كتابه ( وكان لنشأتي في البيئة الشعبية في حي الشاغور بدمشق ومن ثم تعايشي مع أندادي ومع أناس من الجيل الذي سبقني رجالاً ونساء شيباً وشباناً في أنحاء متفرقة من أحياء مدينة دمشق. الذين كنت ألتقيهم في أماكن تواجدهم في السوق والمقهى والمتجر والطريق والمحكمة، وفي السهرات وخاصة النسوية منها، ومحاولتي الإصغاء والتقاط القول والكلمة والإيماءة واللفتة فكرة وقولاً، كما كنت أستمع إلى حكاياتهن وأمثالهن وأقوالهن وأحاجيهن وزغاريدهن وأغانيهن ما استطعت إلى ذلك سبيلاً). فوقف الكاتب بذلك على كثير من هذه الكنايات التي سرت على لسان الناس مسرى الأمثال وجعلوا منها محط الشاهد في أحاديثهم على سبيل الاستعارة والكناية والموازنة والتشبيه سواء في حالات المديح والتبجيل أم في حالات القدح والذم والتصغير والتحقير أو النصح والإرشاد . وقد حرص على تقديم كنايات هذا الكتاب، كما ينطقها الناس لما في ذلك من حسن التشبيه والجرس الموسيقي، فضلاً عما يشيع ذلك في النفس من لذة ومتعة ومشاعر تناغم بين القائل والمتلقي ولم يكن القصد من ذلك بحال من الأحوال دعوة إلى ترجيح الأدب الشعبي على أي من صور الأدب العربي، وإنما أراد الكاتب أن تكون كنايات هذا الكتاب بين يدي الباحثين والدارسين للتعرف على أصولها وخصائصها وتراكيبها وصولاً إلى معرفة مضامين حياة الجيل الذي سبقنا ومن ثم الإفادة من الكلام المحكي اللهجة بإغناء اللغة الفصحى بالكلام المولد والتعابير الجارية على ألسنة الناس ، وبالتالي الإفادة من جذر مفردات العامية وما تضمه من دوائر اللغات القديمة، أملاً في إضفاء البعد التاريخي على مفردات العامية . وقد عمد إلى تصنيف مواد الكتاب في أربعة أبواب، تناول الباب الأول، الكنايات العامية التي تجري على لسان الناس في تخاطبهم من خلال تعاملهم وتعاطيهم ومواقفهم من الحياة من حض أو جزر ونهي أو توجيه ونصح وإرشاد ، مما يؤصل القيم الروحية والأعراف والعادات والتقاليد التي جرى عليها الناس في حياتهم اليومية وعلاقاتهم الاجتماعية وأساليبهم في الأخذ والعطاء وكان الباب الثاني للكنايات المتعلقة بالرجال وأصبحت صفة ملازمة لمن أطلقت عليه ، وقد ميزت بين الكنايات التي تناولت الصفات الجسمانية للرجال امتلاء ونحولاً، طولاً وقصراً، كمالاً وصحة، اعتلالاً وسقماً، وكذلك الكنايات التي تناولت مناقب الرجال والمآخذ التي عليهم. وفي الباب الثالث تناول الكنايات المتعلقة بالنساء سواء من ناحية الصفات والملامح الجسمانية أم في المناقب والمثالب وسلوكيات المرأة، مع بيان الفرق بين كينونة هذه الكنايات على النساء من ناحية الثبات والتغير ومن ناحية المزاجية في إطلاق الكناية على المرأة ومن ثم المداهنة والتملق والمواربة والتجني والإفتئات وارتباط ذلك بالزمن والمكان والظرف وخاصة ما كان يتعلق بمناقب ومثالب المرأة. وفي الباب الرابع انفرد لتناول موضوعين الأول مهما دعاوي النساء وما كان منهما على سبيل التحبب والعتاب أو التحسر.وما كان في موضوع الترجي أن يبعد الله المكروه والأذى ، أو الشكوى والتظلم والزجر والوعيد والتحقير . أما الموضوع الثاني فكان لكنايات نداء الباعة في دمشق.. وما كانوا عليه وهم يجوبون الحارات والأزقة أو وراء بسطاتهم ودكاكينهم أو في محالهم، وهم يتأنقون في عرض ما ينادون عليه بما يرغب ويدفع إلى الشراء وصيغ تلك النداءات وبيان ما كان وراءها من غمز ولمز وتعريض بالقاصي والداني والبائع والشاري في صيغ تفسر على محملين ، وعلى أن ينال من تلك النداءات نصيبه أو يعمل من نفسه أذناً من طين وأخرى من عجين . الكتاب: كنايات الشوام في الألقاب والتخاطب والنداء الكاتب: منير كيال / صادر عن وزارة الثقافة - الهيئة العامة للكتاب. قطع متوسط في 167 صفحة. |
|