تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لوكينو فيسكونتي.. رائد الواقعية الجديدة

كتب
الأربعاء 22-9-2010م
أحداث فيلم (الأرض تهتز) وقعت في إيطاليا وبصورة خاصة في صقلية وفي قرية اتش ترتيسا الواقعة على بحر الإيوني ليس بعيداً عن مدينة كاتانيا.

‏‏

القصة التي يرويها الفيلم هي القصة نفسها الموجودة في العالم اليوم والتي تتجدد منذ أعوام في كل البلاد والتي يستغل فيها الرجال رجالاً آخرين، إن المنازل والطرقات والبراكات ومشاهد البحر تدور جميعها في قرية اتش ترتيسا كما أن جميع الممثلين في هذا الفيلم.‏‏‏

وقد اختير من بين سكان القرية الصيادون الفتيان المزارعون المياومون البناؤون وتجار السمك الكبار.‏‏‏

إن هؤلاء الناس لا يعرفون لغة للتعبير عن آلامهم وآمالهم غير لغتهم الصقلية، لقد أصبح هذا الفيلم مدرسة حقيقية لجيل من السينمائيين الكبار يكفي أن نعرف أن مساعدي الإخراج للمعلم الكبير فيسكونتي هما فرانشيسكو روزي وفرانكو زيفريللي.‏‏‏

لوكينو فيسكونتي مخرج ومسرحي وسينمائي إيطالي يعتبر واحداً من أهم المخرجين لما بعد الحرب العظمى ينحدر من عائلة نبيلة في ميلانو وهي عائلة (فيسكونتي) وقد اهتم في بداية شبابه بتربية أحصنة السباق.‏‏‏

أما عن اهتمامه بالسينما فكان قبل بدايات الحرب وذلك بعمله في فرنسا كمساعد للإخراج ومهندس للديكور مع المخرج الفرنسي الكبير جان رينوا بفيلم (نحو الحياة) ثم أتبعه بفيلم خصم من الريف ثم بأوبرا توسكا التي لم يكمل العمل بها ولكنها تجربة مهمة لفيسكونتي لأنها ختمت له المجال للاحتكاك بالأدب وبكتّاب كبار مثل تشيزار بافيزي وفيتوريني.‏‏‏

بعد الحرب فرض فيسكونتي نفسه كمخرج مسرحي ليس في إيطاليا فحسب بل على الصعيد الأوروبي أيضاً بدأ الدور الفعلي للمخرج المسرحي كمهنة واختصاص في إيطاليا مع فيسكونتي الذي أظهر كفاءة ودقة نادرتين في قيادته وتنظيم عمله، كل ذلك من خلال حرفية فائقة وفهم عميق وإحساس مرهف وثقافة عالية وذوق رفيع في إعادة خلق النص المسرحي.‏‏‏

أما في الحقل السينمائي فقد انضم بعد عودته من فرنسا إلى المجموعة المناهضة للفاشية ثم باع كل مقتنياته العائلية ليمول أول عمل سينمائي له وهو فيلم (وسواس) 1942 وذلك في أدق مرحلة من الحرب.‏‏‏

لقد فضح النظام الفاشي بتسليط الأضواء على الشمال الإيطالي المهمل وعلى الشخصيات التي يغمرها الفساد والانحراف.‏‏‏

لقد كان فيلماً ثورياً لتلك المرحلة وأول مسمار يدق في نعش الفاشية.‏‏‏

يعتبر هذا الفيلم المنعطف الأول نحو السينما الواقعية الجديدة في إيطاليا.‏‏‏

وفي عام 1948 يحقق فيسكونتي بواقعية وشاعرية بعيداً عن واقعية روسيلليني التي يعتبرها حادة وجافة تحقيق فيلم (الأرض تهتز) وذلك بنقله عالم الكاتب الصقلي (فيرغا) إلى الشاشة.‏‏‏

لقد استوحى العمل من رائعته الأوروبية مالافوليا وتعني (الإدارة السيئة) بعد أن أعاد صياغتها بحرية مطلقة، وبشكل معاصر لقد استطاع فيسكونتي أن يجسد بحس فني مدهش حالة البؤس الاجتماعي الذي كان يعيشه هؤلاء الصيادون البسطاء.‏‏‏

كتب الفيلم بلهجة محلية وضع حوارها الممثلون أنفسهم، وتكوّن الديكور من بيوت وشوارع ومراكب وبحر البلدة نفسها، حتى استطاع أن يحقق أجواء شاعرية لكادرات تنطلق بالحياة وهكذا من قرية نائية في جزيرة صقلية يصل فيسكونتي العالمية فشل الفيلم جماهيرياً لكنه أحدث دوياً بين نقاد السينما في العالم.‏‏‏

كتب انطونيوني عن الفيلم قائلاً: لقد استطاع هذا الفيلم من خلال حرارة أصواته ودفئها ومن خلال شفافية الصورة ذاتها أن يشعرنا بالظلم الاجتماعي السائد وأن يثير حوله صراعاً لابد أن يتم حسمه في المستقبل.‏‏‏

وفي عام 1952يحقق فيسكونتي فيلم (رائعة الجمال) الذي كتب له السيناريو عراب الواقعية الجديدة، زافانتي وهو من بطولة أنامايناني والفيلم ينتقد بأسلوب ساخر أجواء علم السينما الذي لايرحم المشاعر الإنسانية ولا حتى الطفولة.‏‏‏

في عام 1954 يقدم رائعة سينمائية وهي فيلم (حواس) عن رواية للكاتب (كاميللو بوتيو) تدور أحداث الفيلم في أجواء وخلفية حرب الاستقلال الإيطالية الثالثة لعام 1866 حيث استطاع فيسكونتي بمهارة فائقة وصرامة فنية عالية أن يجسد هذا العمل الوطني النهضوي، وأن يعيد تاريخ ايطاليا برواية ذاتية شفافة ومعاصرة.‏‏‏

وفي عام 1963 يحقق فيسكونتي بأناقة أرستقراطية مبهرة فيلم (الفهد) بطولة برت لانكستر وآلان ديلون وكلوديا كاردينللي ويحصد عليه السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي وفي عام 1967 يقدم عن رواية إلبير كامو (الغريب) وفي عام 1971 يحقق فيلم موت في فينسيا عن رواية توماس مان الشهيرة .‏‏‏

اكتشف فيسكونتي من خلال مسيرته الفنية الكثير من الممثلين الكبار في عصره ويصنفه النقاد بأنه ظاهرة ابداعية وثقافية فريدة، ابتكر الواقعية الجديدة بأعماله الأولى وانتقل في الستينيات إلى الرمزية المدوية.‏‏‏

الكتاب: سيناريو فيلم الأرض تهتز.‏‏‏

ترجمة: ايليا قجميني/ صادر عن وزارة الثقافة- الفن السابع- قطع كبير في 177 صفحة.‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية