تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


غل إرب أوغلو تفك شيفرة الغرام!

كتب
الأربعاء 22-9-2010م
لميس علي

كتوطئة.. تعترف بطلة الرواية (لم أتوقع الوقوع في الحب)..

بيسر يتخفف عبء المراوغة تشهر الروائية موضوعها- الظاهر منه-حب مستحيل، حب في المخيلة، في القلب، وعلى الورق.‏‏

في رواية التركية غُل إرب أوغلو (الجارية) تقترن صفة (مستحيل) بحب تسرد فصوله..‏‏

والصفة هنا.. تُردّ إلى مقصدين أرادت أحدهما (أوغلو).. إما أنها توخت معنى الاستحالة لقصة حب وقعت مابين الجارية والسلطان إثر لقائهما لمرّة واحدة في جناح الحريم في القصر الملكي العثماني، أوانها أرادت التأكيد على أنه لم يكن أكثر من وهم عاشته بداية تلك الجارية (عشق دل)، ما إن تتحرر منه حتى يقع السلطان ذاته أسير هواها.‏‏

على طول الرواية.. تظهر ثلاثة أصوات لثلاث شخصيات..كل يروي جانباً من الحكاية، الجانب الذي يرى ويهتم له،لن نستمع إلى غير هذه الأصوات.. صوت الجارية، صوت السلطان، وصوت جعفر آغا، أحد آغوات جناح الحريم، الذي يلعب في الخفاء بالمصائر ويحرف مسار ذاك الحب الناشئ، خفية في قلب (عشق دل)، جارية تبدأ تحكي جنون هواها في رسائل توجهها إلى السلطان مع كامل علمها أنها لن ترسلها إليه يوماً.. (هل أنت جبان إلى هذا الحد يا مليكي؟ أم شجاع إلى هذا الحد؟ قد علمتني الحب، فهل تعلمني الآن مكايدة الألم؟ لو كان بوسعي إقصاؤك عن ذهني للحظة واحدة، لو كان بوسعي الحصول على الراحة طيلة لحظة واحدة..‏‏

إني أسألك هل أخافك الابتلاء بي، بعشق كهذا، بجنون كهذا! هل أخافك أن ينتقل إليك شغفي فتصبح عاجزاً عن الاستغناء عن الحب.. ألهذا هربت من حبي؟).‏‏

على الورق تشتعل قصة حب.. تستعر.. تتقد.. تتوهج.. تضيء.. لكن لا تلبث أن تنطفئ كل تفاصيلها، نشأتها، ذروتها، إلى لحظة خبو لهيبها، تسجلها (عشق دل) التي تكتشف نهاية كبير وهمها.. (اكتشفت أنني كبرتك في عيني وفي قلبي، وأنك تستمد قيمتك مما أضفي عليك من قيمة).‏‏

في ذات الوقت يواري السلطان حبه (أصابني الذعر من شيئين، من احتمال الوقوع في الغرام، كما من احتمال الوقوع في أسر امرأة لاتتحرج التعبير عن شهوتها بصورة فاضحة).‏‏

بدوره جعفر آغا جناح الحريم لم يكن بعيداً عما يجري في قلب كل من الطرفين (السلطان وعشق دل)، ليجد نفسه واقعاً في هوى تلك الجارية من انشدّ إليها بجاذبية اختلافها.‏‏

تتناول سرديات هذه الشخصيات، تأتي عملية تناول الأصوات الروائية، كتقنية سردية تتبعها أوغلو، وسيلة تتيح للقارئ المضي مع تلك الشخصيات في لحظات بوحها، وبالتالي انكشاف الكثير من الأمور والأشياء مع خط سير (قصة الحب).‏‏

بدقة أكثر‏‏

لاتبدو قصة الحب تلك، أحياناً كثيرة، سوى غطاء خارجي جذاب لسرد تفاصيل الحياة في جناح الحريم في قصر ملكي، تمور فصول الرواية بأشياء من مثل الحديث عن تهيئة الجواري وإعدادهن.. قوانين القصور.. الجانب السياسي.. نسج المكائد وأطماع الملك، لن تخلو قصة الحب من ظلال الحياة في القصر، بما فيها من تلاوين يسرد السلطان أحد جوانبها بقوله: (كنت أشعر أنني مقبور على قيد الحياة مع فارق مهم، هو أن جثث الموتى لاتنمو وتكبر داخل القبور، بل تتفسخ.. في كل وجبة طعام قدموها لي، كنت مع كل لقمة أتناولها.. أقف وأتساءل متى سيحدث لي ما حدث لأخي البريء محمد، متى سيضيفون قبضة من السم إلى حسائي المنكّه بالبهارات).‏‏

تتسلل الروائية إلىحقائق وأسرار تلك العائلات الحاكمة، عاداتها وأعرافها، طقوس ملكها وسيادتها.‏‏

بحيلة الغرام الشفافة يتم تمرير غرض مكاشفة القارئ، حياة الترف والبذخ المحيطة بسلاطين آل عثمان، كما في تفصيل الروائية عن طرائق تقديم أطباق الفاكهة، والحلوى، وأنواع الشراب.. (اصطفت هذه الأطباق فوق مناضد منخفضة مزينة بنقوش الصدف والذبل النافرة.. واصطفت بين تلك الأطباق الجواهر، كؤوس بأعناق دقيقة مزخرفة بالفضة).‏‏

تطرح أوغلو موضوعة (الايروتيك) في قصرعثماني وتحديداً في جناح الحريم، من وجهة نظر مخالفة للسائد في ذاك الزمان.. وتقدم قصة هذا العشق دون ابتذال، أو أدنى تلميحات، تُغرق في سبقيتها محاولة إبراز جانب إيجابي ينظر للمرأة كشريك وكند في علاقة الحب.. كسراً لمألوف القصور في عادة تسخير حريمها لمتع السلطان فقط.‏‏

الكتاب: الجارية. - المؤلفة: غُل إرب أوغلو - المترجم: بكر صدقي - الناشر: دارقدمس 2010م‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية