|
ثقافة ولهذا تظهر المشاهد الحادة في لوحاته ومنحوتاته لتعبر عن قساوة الواقع المأساوي المعاش في الأزمنة الراهنة، فالوجه الإنساني الذي يجسده في أعماله الفراغية على سبيل المثال يتجه نحو المزيد من الاختصار والاختزال والحدة التعبيرية المشرعة على كل الاحتمالات، فهو يجسد إيقاعات الوجوه الواجمة والذابلة والمكسورة والمضطربة والمتوترة، ليصل إلى حالة تعبيرية درامية وانطوائية وفجائعية تعكس في تنويعاتها المختلفة أجواء القلق والدمار والموت المتواصل في بعض المدن العربية دون توقف أو انقطاع. قوة أدائية وأعماله التصويرية والنحتية تتميز بقدرة أدائية عالية وبنبرة انتقادية لاذعة وساخرة، حيث يظهر قدرة لافتة مفعمة بالحساسية والرهافة، وتبرز اللمسات الفنية الرشيقة والمرنة والمنسابة طلاقة وحرية وعفوية. وتعكس أعماله قدرات ومهارات تقنية عالية حين يعمد على شحن الرموز التعبيرية بمزيد من الرؤى السوداوية، القادمة من أجواء التعب والبؤس والمرارة والمعاناة. فأعماله تضعنا مباشرة أمام الواقع بكل ما فيه من مجازر وحروب وويلات، لذا يتنقل بصرنا بين الدلالات والرموز المعبرة عن حالات الشعور بالصدمة اليومية من معايشة فصول الرعب والعنف للامعقول الذي يلف المدن المتهدمة والمحروقة والمحاصرة، حيث كل شيء يتداعى وينهار، ولا تبقى إلا الجثث المذبوحة، وهمجية الحروب المتواصلة دون نهاية. وهنا تكمن الأهمية التي تحتلها أعماله في مضمار التجارب الحديثة المعبرة عن المواقف الإنسانية الساخطة ضد ويلات الحروب والدمار في واقع مباح ومرفوض ومتشح بالرؤى الرمادية والسوداوية والكابوسية. فهو ينحاز وبشكل واضح في أعماله الجدارية التي قدمها منذ مطلع الثمانينات نحو تجسيد العناصر الإنسانية البائسة، ويضفي على اللوحة نبرة سخرية ، حين يجعل أحد الشخوص قي اللوحة يظهر على هيئة كاريكاتورية بأوسمته ونياشينه وهكذا نجد أعمال مرحلة الثمانينات ومطلع التسعينات قد امتازت بنبرة انتقادية تهدف الوصول إلى حالات المفارقة، وهو في ذلك يكشف بعداً إنسانياً ويبرز قدرته على دمج الفكاهة بمرارة الواقع الحياتي المتأزم. الخروف الرمز وفي أعماله التي قدمها منذ العام 2002 ركز لإظهار الخروف الرمز، أو مجموعة الخراف الذبيحة والمعلقة في الفراغ، وذلك لتكثيف الصدمة التعبيرية القادمة من الواقع، فالرمز الجديد الذي توصل إليه خلق تأويلات غير مباشرة، ولاسيما أنه استخدم الخروف في مساحات تعبيرية وواقعية درامية تفيض بالسخط والاحتجاج الشامل في مرحلة العذاب والظلم والاستبداد المتواصل. هكذا فتح نصوصه التعبيرية والرمزية في اللوحة والمنحوتة على دلالات التعبير عن الواقع الحياتي المفجع، وتداعياته المباشرة الحية والمترسخة في نفوسنا وذاكرتنا ودفتر يومياتنا. فهو ينشر قلقه في تعابير إنسانية وحيوانية قلقة، ويقف ضد مظاهر الاستغلال، ويدافع عن إنسانية الإنسان عبر لغة رمزية غير مباشرة. وأعمال ماهر البارودي تظهر كرسالة محبة وتبرز دلالات التعاطف المطلق مع السلام الآتي كالأحلام، فالحلم المستقبلي هنا هو ترسيم للسلام المقروء في عناصر مسالمة ( أبرزها الخروف والإنسان المهمل والبائس) وهذه الرموز المتكررة في أعماله تأتي كردة فعل إنسانية ضد مظاهر الحروب والتسلح والخراب الذاتي وتدهور قيمة الإنسان في المدن العصرية والاستهلاكية. ماهر البارودي من مواليد دمشق عام 1955 درس الفن في دمشق وليون وباريس، وحاز في العام 1982 على جائزة باريس في ليون وفي العام 1983 على جائزة مؤسسة فرنسا في باريس، وفي عام 1994 على الجائزة الأولى في الإعلان لمحافظة مدينة ليون. كما حاز على الجائزة الأولى في بينالي القاهرة الدولي العاشر. ولقد عرض أعماله في العديد من العواصم والمدن العالمية، وهو يقيم ويعمل في مجالي الرسم والنحت في مدينة ليون الفرنسية منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي. |
|