تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الابتعاد عن المضمون والأهداف في ملتقى الدراما السورية

ثقافة
الجمعة 25-12-2009م
عدنان حبال

لم نشاهد على شاشة سورية دراما ولم نقرأ في الصحف أن أحد المشاركين في ملتقى الدراما السورية الذي انعقد مؤخراً في دمشق تناول سؤالاً واحداً يتعلق بنوعيات الأعمال الدرامية أو المسلسلات السورية التي أنتجها القطاعان العام والخاص خلال السنوات الماضية.

كانت هموم المتحاورين تنحصر في مسائل الإنتاج والتمويل والتسويق والتوزيع والعمل العربي المشترك ومشكلة تأهيل وتدريب المخرجين والفنيين، فلماذا تجاهلوا مضامين وأهداف الدراما ومهامها الاجتماعية والتربوية والسياسية أيضاً ،لقد لاحظنا للأسف أن معظم المتحدثين وضع نصب عينيه الترويج لنفسه وأعماله والشركة التي تمول إنتاجه إن وجدت حتى لو كانت معادية للعرب وموجهة ضدهم وهي تنطق بلغتهم مثل محطة mbc منتجة «أبواب الحارة» وorbit منتجة الحصرم الشامي وغيرها من فضائيات الدعاية التجارية التي انتجت «ممرات ضيقة» وتحت المداس ورجال الحسم ووضعها أحد الزملاء تحت سقف العمل العربي المشترك،وهي كلها أعمال أساءت بمضامينها وأهدافها ومقولاتها إلى سورية والعرب حضارة وشعباً وثقافة وأخلاقاً.‏

يضاف إليها من حيث النوعية السيئة والمقولات الخاطئة أو السلبية ما أنتجه القطاع العام مؤخراًً مثل «خبر عاجل» وجريمة بلا نهاية وغفلة الأيام وعلى موج البحر وغيرها.‏

إذاً لماذا لم يتطرق المشاركون في ملتقى الدراما السورية بقطاعيه؟لماذا اكتفوا بالكلام عن الكم والتمويل والاحتراف ولم يهتموا بالكيف والمضامين والأهداف ؟لِمَ لم يبحثوا مسألة الرقابة بما تستحقه من اهتمام وشفافية، بل طالب بعضهم بإلغائها رغبة في مضاعفة تسويق أعماله ذات التمويل الأجنبي وواضح أنه يجهل أو يتجاهل دور نوعية الإنتاج في تحسين تسويقه وإقبال الجماهير العربية وغيرها على مشاهدته.لقد تسابقت المحطات العربية أثناء رمضان وبعده في عرض أعمال سورية عالية المستوى مثل «زمن العار» و«سحابة صيف» و«قلوب صغيرة» و«قلبي معكم» وغيرها من أجل مضامينها وأهدافها الفكرية إلى جانب جودتها الفنية بينما لم نسمع من الزملاء في الملتقى الدمشقي أن درامانا السورية صناعة وطنية ذات أهداف إعلامية وتربوية عظيمة الأهمية، تفوق في تأثيرها على المستمعين والمتفرجين كل ما تقدمه لهم نشرات الأخبار والبرامج الثقافية والاجتماعية المباشرة من إعلام وتربية وتوعية.‏

إن المستمع أو المتفرج لا يصدق أستاذ الجامعة الذي يتحدث عن ضرورة تحصيل العلم والاختصاص والتكنولوجيا الحديثة عندما يسمع أو يشاهد دراما تقول في محصلتها الأخيرة إن العلم يقود المواطن الشاب إلى العمل موظفاً في دائرة حكومية، وتوجه النقد الحاد الأرعن إلى هذه الوظيفة أو تلك الدائرة أو المنشأة وتؤكد أن الموظف المسكين يعيش حياة مملوءة بالذل والفقر، إن الاستنتاج الأعظم حدوثاً هنا هو أن الدراسة الأكاديمية لا تؤدي بصاحبها ومتابعها إلا إلى الوظيفة والفاقه، كذلك فإن المستمع أو المتفرج لن يصدقا الأطباء المتخصصين والمسؤولين في وزارة الصحة عندما يقولون على الشاشة إن ما يقارب ألف قرية سورية تمتلك مراكز صحيةبالوسائل الحديثة وبمراكز الإسعاف الأولي، ولا ضيوف البرامج الثقافية الذين يتحدثون عن أمسيات أدبية تقام في مدن صغيرة أو قرى بعيدة، وهم لا يسمعون أو يرون في مسلسلات الإذاعة أو التلفزيون سوى قرى متخلفة علقت صورها القديمة في أذهان كتابنا منذ نحو نصف قرن وظلت خالية من أي مستوصف أو من أي مركز ثقافي حتى ولو كان مركزاً لفرع شبيبة الثورة أو الكتاب العرب أو لمجالس المدن والقرى التابعة للإدارة المحلية منذ عشرات السنين، إن بعض كتاب الدراما ومراقبي نصوصها ما زالوا يعيشون في الماضي قبل عدة عقود.‏

وعلى كل حال فإن الدراما الإذاعية والتلفزيونية ليست آلة للواقع كما هو عليه - أو للأسف كما يظن البعض- لما كان عليه هذا الواقع منذ عقود ولم يتغير حسب علمهم الضئيل حتى الآن، إن هذا البعض ممن يمارسون الرقابة على النصوص الدرامية لايعرف حتى الآن أن في سورية شبكة قطارات حديدية يبلغ طولها ما يزيد على عشرة آلاف كيلو متر ،ولا يعرف أن الاستثمار الزراعي برؤوس أموال وطنية قد بلغ عام 2008 أربعة أو خمسة أضعاف ما كان عليه قبل سنوات قليلة، بفضل أبناء القرى الذين عادوا إلى قراهم وعملوا فيها بما جمعوه من علم ومال وحب للوطن الأم.‏

ويعود ازدياد أهمية الدراما من حيث مضامينها إلى أن:‏

1- الدراما تعتمد الحدث القصصي المشوق والحوار بين شخوص تتباين آراؤهم ومواقفهم تجاه مسألة سياسية أو اجتماعية معينة وتترك للمستمع وللمتفرج حرية الاختيار والاقتناع وجني الفائدة الإعلامية أو التربوية المطلوبة.‏

2- الدراما ،وأتحدث طبعاً عن الدراما الجيدة نصاً وإخراجاً وتمثيلاً-تخاطب عقول المستمعين والمتفرجين وقلوبهم معاً.‏

إنهم ينشدون إلى أحداثها ويفكرون بتصرفات شخوصها ويحكمون على الصحيح والخطأ منها ويشاركون في النقاش حولها، ولا أنسى في هذا المجال حوادث صارت معي شخصياً، إذ اعترضني أو استوقفني أناس سألوني عن دور كنت قد مثلته في أحد المسلسلات، فمنهم من أيد موقفي ومنهم من عارضه، وقد كتبت قصصاً قصيرة عن هذه الحوادث ونشرتها في بعض الدوريات الأدبية.‏

3- الدراما التلفزيونية الجيدة تدخل البيوت من أوسع أبوابها ولا تنتظر جمهورها حتى يأتي إليها كما يفعل المسرح والسينما ولذا انتشارها أوسع وأسهل بكثير وبالتالي فإن تأثيرها أكبر.‏

4- الدراما الجيدة تخلو من المباشرة في الوعظ الأخلاقي وإسداء النصائح المدرسية التي ثبت أن الجمهور لا يميل إليها بل يعرض عنها،لأنها تسبب له الملل والرتابة فحسب، بل لأنها تتهمه بالغباء والسذاجة وتوحي إليه بأنه لم يتعلم الكثير من حياته ومدرسته وأهله.‏

5- ليس ثمة في الدراما ممنوعات ومحظورات، إن آفاقها مثل آفاق القصة والرواية والشعر واسعة جداً ولا يقيدها سواء في سورية أو في العالم المتقدم أيضاً سوى الالتزام ببعدها عن التفاهة والشتائم والتجني أو الإساءة إلى قطاعات وشرائح واسعة من الناس لمجرد أن فرداً منها خالف القانون أو الأخلاق والأعراف،أو أخطأً خطأ لا يجوز للكاتب الدرامي ولا للرقيب تعميمه على فئة مجموعة بكاملها.‏

6- إن الدرس التربوي أو الإعلامي الذي تزرعه الدراما في ذهن المستمع أو المتفرج يترسخ طويلاً ويصعب شطبه أوإلغاؤه ومن هنا تنبع ضرورة المزيد من الجهد والاهتمام بالنصوص الدرامية الإذاعية والتلفزيونية وعدم السماح لغير المتخصصين الموهوبين والمثقفين باتخاذ القرار الأخير في كل ما يتعلق بإنتاجها.‏

لقد كنا نأمل من الملتقى الأول للدراما أن يبحث جدياً في هذه المضامين والأهداف وأن يبتعد عن النقاش التنظيري والتوصيات الغائمة الفضفاضة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية