تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مفارقات السياسة الأميركية

شؤون سياسية
الجمعة 25-12-2009م
د.ابراهيم زعير

حين تسلم الرئيس الأميركي باراك أوباما جائزة نوبل، لم ينسَ التذكير بأن بلاده لها سجل بتشجيع حقوق الإنسان والحريات الفردية والأمن العالمي في الخارج،

وهذا الكلام الذي لايصمد أمام حقائق الواقع الفعلي لوضع حقوق الإنسان والحريات الفردية في أميركا، المصابة بمرض انتهاك حقوق الإنسان والحريات في داخلها، إضافة إلى مافعلته إدارة بوش السابقة بشأن هذه الحقوق المنتهكة في غوانتانامو، حيث وعد في خطابه إغلاق هذا المعتقل العسكري ومنع التعذيب، ولكنه حتى الآن لم يحسم هذه المسألة بشكل جذري، وإذا كان إعلانه بإغلاق هذا المعتقل في خطابه القوي، قد لاقى الترحيب والتصفيق من قبل الحضور، إلا أن هذا الحضور بالذات امتعض من دفاعه الحماسي عن خطته بتصعيد الجهد العسكري الأميركي في أفغانستان وباكستان ولاسيما أن الاجتماع ضم شخصيات كثيرة مرموقة في العاصمة أوسلو جاءت من مختلف الدول الأوروبية للمشاركة في احتفال تقليد أوباما جائزة نوبل، وهذه الشخصيات معروف بأنها معارضة أساساً للحرب في أفغانستان والعراق، التي انتهكت حقوق شعبي هاتين الدولتين اللتين جعلت شعوبهما يتحصرون على أنظمتها السابقة رغم كل ما ارتكبته من فظائع بحق شعوبهما، ولم يقتنع أحد بجدوى هذه الحرب اللعينة، حتى إن وسائل الإعلام الأميركية وتعليقاً على خطاب أوباما في أوسلو، أشارت إلى أن معظم الجمهور الأميركي والأوروبي وحتى العالمي بطبيعة الحال، لم يعد مقتنعاً بهذه الحرب وأنها لاتستحق أن تخاض، وكأن المعارضين الكثر لأوباما في إرسال 30 ألف عسكري إضافي إلى أفغانستان، يودون الصراخ بوجهه، ليقولوا له إن بلادك تخوض حرباً عبثية لاتستحق أن تخاض أصلاً، والمفارقة أن أوباما وقع في تناقض لافت في كلامه، فمن جهة حيا الشخصية الأميركية الأسطورية مارتن لوثر كينغ الذي وحسب وصف أوباما له بأنه يمثل «شهادة حية على القوة الأخلاقية للا عنف» وذكره بمأثرة إيقاف الجيش الهتلري خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أن استنتاجاته من هذين المثالين لاتتفق مع واقع الحال الأميركي في أفغانستان أو العراق، صحيح إن القوة تستطيع حل الظلم واللا مساواة وحماية المدنيين أحياناً، ولكنه نسي ماقاله سلفه بوش «بأن الشر موجود فعلاً في العالم» ولكن أوباما لم يذكر من هوالشر ومن هي القوة التي يجب أن تردع هذا الشر، ليستنتج المستمع بأن أوباما أراد أن يقول إن القضاء على شر الإرهاب حسب وصفه غير ممكن إلا عن طريق القوة الأميركية والأطلسية.‏

في موطن الإرهاب (الشر)، أي أفغانستان وغيرها، ولكن من السذاجة أن يتحدث أوباما أمام جمهور مثقف ومطلع، محاولاً تبرير ماتفعله آلة الحرب الأميركية بحق الأبرياء في أفغانستان وباكستان، وتهديده الدائم لإيران وكوريا الديمقراطية ولكل بلد لايتفق مع آراء وسياسة الولايات المتحدة، ولو كان أوباما فعلاً يعني مايقول حول حقوق الإنسان والحريات، لكان على الأقل أشار ولو من بعيد إلى ماتعرض له الشعب الفلسطيني من ظلم وقهر واغتصاب إجرامي لحقوقه الوطنية والإنسانية في وطنه المحتل من قبل الصهاينة الإسرائيليين وللضغط على إسرائيل لتكف عن الاستمرار في جرائمها في غزة والضفة والجولان والجنوب اللبناني، وعوضاً عن ذلك وافق السيد أوباما على تقديم مايترتب على بلاده لإسرائيل من مساعدات سنوية بلغت نحو 2.750 مليار دولار كمساعدات لكي تبقى إسرائيل قوة ضاربة ومعتدية ومدانة من قبل شرفاء وشعوب العالم قاطبة، المفارقة الشخصية لدى أوباما، أنه يتحدث بلغة القوة لمحاربة الشر ولكنه لم يذكر كلمة عن الشر والجرائم التي ارتكبتها قواته في العراق وأفغانستان وباكستان وما ترتكبه إسرائيل من جرائم في الأراضي العربية المحتلة، إنها مفارقة اعتاد عليها بمرارة المجتمع الدولي، ولكنها تخلق باستمرار القناعة بأن أميركا تفتقد إلى المصداقية في أقوالها وأفعالها، ولهذا بالذات كان يجب على أوباما أن لايسأل اطلاقاً لماذا تكره الشعوب الولايات المتحدة؟!.‏

ولماذا تنتفض الشعوب ضد أميركا في كل مكان من أميركا اللاتينية إلى الشرق الأوسط إلى إفريقيا مروراً بآسيا وحتى أوروبا ولم يستغرب أي من المتابعين لجائزة نوبل. أنها منحت لكثير من القتلة والمجرمين ولمفتعلي الشر العالمي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية