تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سيرة .. غير ذاتية

معاً على الطريق
الجمعة 25-12-2009
قمركيلاني

أرسل إليّ أحد الكتّاب العرب.. من المشاهير .. كتاباً،هو سيرته الذاتية.. ماأصبح شائعاً ومتداولاً بين المشاهير وغير المشاهير ..

وحتى بين أصحاب المهن الرفيعة .. وغير الرفيعة من العاديين . أرسل الكتاب في هذه الأيام الأخيرة من عامنا الحالي إذ تتساقط أوراقه الذاهبة مع الزمن... وتتقصف أغصانه مع مايمر بنا من أفراح ومحن .. وأنا مثل الكثيرين غيري من الذين يقفون في نهاية كل عام وقفة حساب مع الأيام .. ومحاولتي في أن أكون صادقة مع نفسي أعترف بالخطأ مثل الصواب.. وأتلمس الحقيقة للأشياء بعيداً عن الحزن والرجاء.. وغالباً ماأتساءل: هل يمكنني أن أجمع يوماً ما أوراقي الذاتية بعد كل ما مضى وانقضى .. في كتاب الحساب هذا لأضعه بين أيدي الناس.. كل الناس؟‏

ولا أصل الى جواب.. المهم أنني إذ اطلعت على الكتاب الذي أهدي إليّ أي السيرة الذاتية للمؤلف، وجدت أنه ليس سيرة ذاتية .. ولاحقيقة موضوعية فأنا أعرف التفاصيل والمفاصل.. وأعرف الخارج من حياته كما الداخل .. فكيف أصبح في هذه السيرة هكذا .. بطلاً.. وعالماً بخفايا الأمور.. وعموداًَ من أعمدة النور ؟ كيف يمكن أن يحرّف الإنسان الحقائق أو ينحرف عنها وكأن الآخرين ليسوا منها؟‏

أسئلة كثيرة تداعت.. وتوالت ... ودفعتني الى مكتبتي لأكتشف أن لدي عدداً من السير الذاتية حتى لمسؤولين، أو لمهجّرين ، ولقادة وزعماء حتى من صفوف الأعداء.. وهذه السير هي التي ذاعت وراجت في أعقاب الحرب العالمية الثانية ووقعت في فخاخ الترجمة الرديئة غالباً.. لكن المثير، ظل هذا المخفي لأنه المفضل والأثير.. وهكذا حتى كشفت الوثائق .. وبانت الحقائق، فإذا بهذه السير تهدف الى الإثارة وربما التجارة لا إلى الوقائع من التواريخ الذاتية أو الموضوعية.‏

وما عدت أشك في أن حب الظهور في زمن القمع والمنع .. والإحباط واللاارتباط هو الذي يدفع من يدفعهم الى كهوف السيرة الذاتية مع العلم بتطور النفس البشرية بين الشباب والشيخوخة ... بل بين عام وآخر ..أو حتى يوم وآخر نظراً، لتسارع حركة الأحداث والتاريخ بهذا الشكل المذهل .. فلا تعود المرآة تعكس الحقيقة .. ولا حتى ظلها أحياناً.‏

ومع هذا فمذكرات كثيرة لعظماء ومشاهير ظلت في ذاكرة التاريخ .. لم يمر عليها النسيان .. كأنما هي منه في أمان .. ومؤلفات تظل مطبوعة في القلوب .. وفي ضمائر الشعوب حتى تتحول أحياناً الى مايشبه الأساطير.. وخاصة لدى أمم تتناقل سير أبطالها ورموزها شفاهاً أكثر مما تتناوله مكتوباً ومطبوعاً.. وربما عثرت على ذلك بالأخبار والقصص كما الزجل والأشعار.‏

وليترفق الذين يكتبون سيرهم الذاتية ،لابمن يقرؤون .. بل بمن يعرفون الحقائق فيتابعون معها أدق الدقائق.. وإذا كان الاهتمام بهذه السير مرتبطاً بصاحبها فلا أقل من أن يكون صاحبها هذا المسؤول عنها بما فيها وما عليها .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية