تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


النُخـــبُ المتعثــرة بغرورهـا.. ومصالحهــا.. شُـــللية أم شَـــــلل؟!

ثقافة
الخميس 3-7-2014
سوزان إبراهيم

مما قالته الدكتورة «عنقاء كنعاني» البروفيسورة الفلسطينية في جامعة السوربون حول المثقفين ودورهم: «إن الحديث عن المثقفين كفئة اجتماعية يدور حول الدور والوظيفة والتميّز والفاعلية.

ذلك أنَّ المثقفين بحكم تشابه دورهم وتماثل وضعهم يشكلون فئة تتعالى على الأفراد الطبيعيين، وهذا ما يبيح لنا التساؤل عن هذه الفئة، وعن سماتها والعينات التي تنتمي إليها وعن دورها في تسريع أو تبطيئ الولادة الاجتماعية العسيرة في المسار التاريخي العربي، وما هي حدود هذا الدور، وما علاقة هذه الفئة بالسلطة والتاريخ والشعب والواقع والمثال...»‏

فأي دورٍ أنيط بالمثقف العربي وقد غاب النقد الجاد والرصين, وركب كثير من هؤلاء المثقفين موجة السلطة- أي سلطة قادرة على تقديم مصلحتهم على أي شيء آخر- وبعد أن تحول بعضهم إلى مسوخٍ فكرية وثقافية- حسب تعبير الدكتورة كنعاني- فأي دورٍ ننتظر! وكأن ما لدينا من أسباب التخلف كانت غير كافية ليزيد المثقف المسخ طيننا بلة!‏

كيف نصحح المسار الفكري والنقدي في المجتمع؟ قد يقول صوت: بالانقلاب على كل هذا الوضع المشين!‏

حسناً.. فكيف ننقلب؟ هل ننقلب خارجياً أم داخلياً؟‏

ترى «كنعاني» أن الانقلاب لابد أن يكون داخلياً وصميمياً في فكر العربي ونفسه, وأن على طبقة المثقفين- الانتلجنسيا- أن تكون رائدة في إطلاق الثورة الفكرية والعقلية التي يتطلبها المجتمع العربي في وقتنا الراهن.‏

هل يمكن أن يكتفي المثقف بلعب دور الناقل أو الوسيط؟ هل هو مجرد ممر وجسر لعبور الفكر إلى المجتمع؟ ولكن هل ملك المثقف أدوات التغيير ولم يفعل؟‏

الشُللية.. والشَلل‏

خلف الكواليس وأمامها يدور الحديث عن النخب المثقفة وأجواء الشُللية, وتعالي البعض منهم وغير ذلك مما نعرف من ثرثرة ثقافية وغير ثقافية. هل الشُللية مرض ثقافي بامتياز؟‏

يبدو أن الأمر لا تحتكره الثقافة لنفسها.. فمثل هذا الأمر ينتشر بشكل طبيعي في جميع الأوساط, لكن قد تكون لمفاعيله في الثقافة أصداء أكبر وأكثر تأثيراً.‏

شخصياً لا أرى في الشُللية ظاهرة سلبية إن جاء الأمر على خلفية الانتخاب والاصطفاء والانسجام والتواؤم الفكري أولاً وقبل كل شيء.. أنا مع شُللية الفكر والتيارات الجديدة.. مع شللية الإشراقات التي تكسر الجمود وتسعى إلى خلق طفرةٍ في شيفرة المجتمع الثقافية. ومن الممكن القول إن الشُللية هي من أنتجت المدارس أو التيارات الأدبية والفنية وغير ذلك. كما أنني ممن يعتقدون أن الثقافة فعل نخبوي لا شعبوي.. هذا على الأقل في مجتمعاتنا حتى الآن.‏

الشللية في جانبها الإيجابي تنبذُ ظاهرة «هتّيفة» الثقافة, وتروّج لفكر مغاير, وتطرد من دائرة اهتمامها غرور بعض المثقفين المنظّرين الواقفين على الشاطئ لأنهم لم يتمكنوا من مصارعة أمواج الثقافة العالية, حيث لا يعوم على وجه المياه الثقافية إلا المهرة البارعون- هذا هو الأصل في الفعل الثقافي.‏

و«الشَلل» وما أدراك ما «الشَلل» هو أن يعوم على مياه الثقافة الإقليمية مرتعشون واجفون راجفون.. هو أن تُرمى لأمثال هؤلاء كل وسائل التعويم قبل الغرق.. والتقاط صورهم كأبطال ناجين من الطوفان بعد صراع مرير مع أسماك القرش!‏

النُخب أم العاديون‏

هل كان صادقاً «خوسيه أورتيغا إي غاست» المثقف المدريدي العتيد (1883- 1955) حين قال: «إن الكرة الأرضية مصنوعة كما يبدو من أجل أن يحكمها الرجل متوسط الشأن دائماً» هل يعني ذلك أن المجتمع لن يحتاج جهود النخب؟ يؤكد «إي غاست» أن الرجل المتوسط العادي هو العنصر الحاسم في تاريخ كل شعب.. لكنه لن ينسى أن يقول أيضاً: «لن يرتفع مستوى المتوسط في رأيي أبداً من غير وجود رجالٍ قدوة أعلين ونماذج تشد نحو العلياء عطالة الجماهير»‏

في العالم العربي نُفيت النخب الأصيلة, أو هجِّنت, أو دُجّنت.. فأقصي فعلها المؤثر على المستوى المتوسط للجماهير ولم يتمكنوا من رفع ذلك المستوى, وهكذا عرفت مجتمعاتنا أفراداً عباقرة, لكن أمتنا بقيت دون وزن تاريخي كبير, لأن الجمهور تمرد على تلك النخب كنماذج تحتذى ولم يتبع فكرهم.. يختم «إي غاست» فكرته بالقول: «كان من المهم أن يكون المستوى المتوسط أعلى ما يمكن وما يجعل الأفراد رائعين ليس رجالاتهم الكبار أولاً, وإنما مستوى متوسطي الشأن الذين لا يحصون».‏

هل يمكننا سحب كلام إي غاست, لنصل إلى الطبقة الوسطى في المجتمع والتي لطالما تميزت بأنها مولد الحركة والحراك سياسياً وفكرياً وبالتالي ثقافياً واجتماعياً, فإذ بها وخلال عقود قليلة قد تهشمت وتحطمت وتشظت واندثرت رويداً رويداً على أيدي عوامل عدة سياسية واقتصادية في المقدمة.‏

ربما كان لموت الطبقة الوسطى في المجتمع دور في الشلل الذي أصاب الحياة وعلى أكثر من صعيد.. ربما!‏

suzan_ib@yahoo.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية