تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الصومال.. بين الاقتتال والأزمة الإنسانية!

شؤون سياسية
الأثنين 7-12-2009م
حكمت العلي

مع تواصل العمليات القتالية في الصومال نزوح لمئات اللاجئين الصوماليين إلى خارج الحدود وخاصة إلى كينيا بعد أن تطور القتال ليشمل الحركات المسلحة نفسها التي بدأت بالتنازع فيما بينها بعد أن كانت تقاتل معاً ضد الحكومة الصومالية،

فمسلحو حركة الشباب استطاعوا السيطرة على بلدة دوبلي قرب الحدود مع كينيا وانتزاعها من حركة كانت بالأمس القريب حليفة لحركة الشباب وهي ما يسمى حزب السلام بعد قتال سابق بينهما من أجل السيطرة على مدينة كيسمايو الساحلية الجنوبية، ما وضع الحليفين السابقين في مواجهة مع بعضهما البعض.‏

وبالرغم من الجهود الدولية والاقليمية والمحلية لحل الازمة في الصومال ووقف الاقتتال فيه إلا أنها لاتزال محكومة بالفشل وعدم وضوح الرؤية على المدى القريب على الأقل بفعل التدخلات الخارجية في هذا البلد الذي ما إن يهدأ أزيز الرصاص فيه حتى ويؤجج يعود وتأجج القتال سواء بين الحركات المسحلة نفسها أو بين هذه الحركات والحكومة الصومالية.‏

فالمعارك الضارية لاتزال تشتعل في معظم المناطق الصومالية وخاصة في وسط البلاد وجنوبها بين القوات الحكومية وحركة الشباب تشكل فصلاً متواصلاً من فصول الحرب الاهلية والممتدة منذ عام 1991 وحتى يومنا هذا.. وما يميز المعارك الجديدة هو امتدادها لتشمل معظم بقاع الصومال مع عدم وضوح الرؤية حول قدرة الحكومة المركزية على ضبط الأوضاع في الفترة القريبة على الاقل واتخاذ طابع الكر والفر في العمليات القتالية، فتارة تسيطر القوات الحكومية على مدينة أو قرية ومن ثم يعود المسلحون ليستولوا عليها من جديد وبالعكس، ما يجعل البلاد باقية تحت دوامة العنف والصراع والاقتتال، وطبعاً الدافع الاكبر لضريبة الاقتتال والحرب الاهلية هم المدنيون العزل، حيث أسفرت أعمال العنف عن مقتل قرابة عشرين ألف مدني وتشريد مليون شخص آخرين منذ بداية عام 20٠7. ما يثقل من تبعات الحرب بما تشكله من دمار واستنزاف لقدرات هذا البلد المثقل بمختلف أنواع المشكلات الاقتصادية، من فقر وضعف البنى التحتية وبطالة كبيرة وانعدام في حركة النمو نتيجة ظروف الحرب التي عطلت جميع مظاهر الحياة وشلتها في هذا البلد الذي انهكته التدخلات الخارجية المختلفة والتي تريد للصومال أن يبقى مضطربا وغير مستقر بغية شرعنة التدخل فيه ولعل ظاهرة القرصنة على شواطئه أبرز تلك التداعيات الخطيرة للحالة غير السوية التي طغت على حياة هذا البلد والتي يراد منها تشكيل خطر دائم على الملاحة في البحر الاحمر ومنطقة القرن الافريقي والطرق المؤدية إلى المحيط الهندي.‏

وبالرغم من مطالبة المنظمات الإنسانية المجتمع الدولي للتدخل وإرسال المساعدات الغذائية والطبية العاجلة في ضوء الأزمة الانسانية المتصاعدة إلا أن هذه النداء ات لاتلقى الصدى المناسب وبقيت المساعدات قاصرة عن سد حاجة المتضررين، حيث يعاني السكان من نقص الأغذية والأدوية، ما يتسبب في ارتفاع عدد الضحايا نتيجة عدم القدرة على تقديم المساعدة للمتضررين.‏

هذه التحديات التي تراكمت يوماً بعد يوم تترافق مع تحديات أخرى إنسانية بجوهرها مع تفاقم أزمة السكان في الصومال نتيجة مجمل هذه الظروف، حيث أعلن مكتب تنسيق المساعدة الانسانية التابع للامم المتحدة مطلقاً نداءاته أن أكثر من ثلاثة ملايين صومالي سيحتاجون إلى مساعدة في الأشهر الستة المقبلة بسبب اتساع نطاق المعارك بين الميليشيات في هذا البلد التي لم تقتصر على العاصمة مقديشو بل شملت مدناً مهمة في جنوب البلاد ووسطها. وما يزيد من حجم المعاناة الإنسانية قيام المسلحين المستمر بتخريب مخزون المساعدات الانسانية، إضافة إلى تقاعس الدول المختلفة عن إرسال المساعدات الكافية، إذ لم يجر تقديم سوى 35 بالمئة من قيمة المساعدات التي يحتاج لها هذا البلد والمقدرة بـ 985 مليون دولار.‏

وبفعل الصراع الدائر منذ ثمانية عشر عاما والذي أدى إلى زعزعة استقرار المنطقة في القرن الافريقي عامة وتدخل إثيوبيا عسكريا بإرسال عشرات الآلاف من جنودها الى الصومال قبل عامين لمساندة حكومة الرئيس السابق عبد الله يوسف إلا أن ذلك لم يؤد إلى تحقيق الاستقرار والأمن بل تصاعدت أعمال العنف مع جماعات المعارضة لأن القوات الاثيوبية ذات الاطماع التاريخية في هذا البلد لا تحظى بالقبول الشعبي فيه ودفعت هذه الأوضاع عشرات الآلاف من المدنيين إلى النزوح عبر الحدود وتسبب القتال طوال العامين الماضيين بمقتل 17700 مدني ونزوح أكثر من مليون صومالي عن ديارهم واعتماد أكثر من ثلاثة ملايين صومالي على المساعدات الغذائية الطارئة كما أجبرت أعمال العنف العديد من الصوماليين على الفرار غرباً عبر الحدود الصحراوية الى كينيا المجاورة ويعيشون ظروفاً إنسانية صعبة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية