|
مراسلون إلى ما قبل 50 - 70 سنة كان الناس في القرى القريبة من مجاري الأنهار في محافظة طرطوس يذهبون باكراً إلى الطواحين الكثيرة المنتشرة حول هذه الأنهار من أجل طحن قمحهم أو جرش برغلهم وعلف حيواناتهم، ومازالت ذاكرتهم تحتفظ باسم (الوقيف) في كل طاحونة، وإذا سألتهم عن عمر هذه الطواحين يعيدونك بالحديث إلى مئات السنين ويبدو أن الحكاية التاريخية فيها متوارثة وجاءت الدراسات الأولية لتؤكد قدم هذه الطواحين ولتوازن بين ما توارث من حكاياها وبين ما توصلت إليه الدراسات. دعونا نقول إن ما يشبه الصدفة هو ما دفع مديرية آثار طرطوس بالتنسيق مع المديرية العامة للآثار والمتاحف إلى تشكيل فريق عمل مكون من رئيس دائرة آثار طرطوس المهندس مروان عيسى والدكتورة رانيا عبد الرحمن والمؤرخ بسام القحط والآثارية سهير محمد والآثاري أحمد يونس مهمة هذا الفريق توثيق وتسجيل الطواحين المائية القديمة والمواقع المرتبطة بها على أنها (الغمقة، الأبرش، العروس). قلنا إن ما يشبه الصدفة هو ما أوجد هذا المسح للطواحين وإلا ما سبب تأخر وجود مثل هذا الفريق وما سبب تأخر الالتفات إلى هذه الطواحين ومعظمها مازال يحافظ على هيكله وشكله وظاهر للعيان ولافت للانتباه! مدير آثار طرطوس المهندس مروان حسن قال: إن أياً ممن سبقوه إلى هذه المديرية لم يلتفت لهذه الطواحين ومع أنه كان بالمديرية إلا أنه لم يكن على علم بوجود كل هذه الطواحين على أن قدمت له الدكتورة رانيا عبد الرحمن اقتراحاً بشأن توثيقها فبدأ العمل الجاد عليها إلى أن انتهت المديرية مؤخراً من عملية مسح شبه نهائية لهذه الطواحين. وتقول الدكتورة رانيا عبد الرحمن قام الفريق الميداني المشكل لهذه الغاية بمسح وجرد الطواحين المائية الموجودة والباقية على أنهار الغمقة، الأبرش والعروس وعلى روافد هذه الأنهار وتم تحديد نحو 68 طاحونة مائية، وتم رفع بعضها معمارياً وتوثيقه طبوغرافياً وفوتوغرافياً والطاحونة المائية كانت موجودة في أوروبا في القرن الأول قبل الميلاد وهي تستخدم الطاقة الكهرمائية أو الديناميكية حيث تحولها إلى قوة دافعة بفعل الماء المسحوب إليها عبر فتحات تتصل بالنهر مباشرة أو بالنبع أو بخزانات مخصصة لحفظ الماء وبدأ دور هذه الطواحين بالتراجع في القرن التاسع عشر مع ظهور المحركات البخارية ومن ثم الكهربائية..تستخدم الطواحين المائية كما هو واضح من تسميتها طاقة الماء لطحن الحبوب وهي مزودة بدولاب عامودي وأذرع نقل القوة والرحى وفكرتها بسيطة وغير مكلفة وأغلى قطعة فيهاهي حجر الرحى المصنوعة من البازلت ولا تحتاج لأكثر من تيار ماء سريع لتشغيلها ومن أجل تأمين الماء بشكل مستمر بنيت قنوات لتوجيه الماء من المجرى ليصب في برج الطاحونة. وعن دقة المعلومات التاريخية التي تثبت تاريخ إنشاء هذه الطواحين على هذه الأنهار تقول الدكتورة رانيا عبد الرحمن: يصعب تحديد تاريخ تلك الانشاءات لأنه تمت إعادة بنائها بداية القرن التاسع عشر إلا أننا نعرف مثل هذه الطواحين كان موجوداً في القرن السادس عشر وكانت تخضع لنظام ضريبي وفي الأغلب تم إنشاؤها في عصر المماليك. أما أهم الطواحين التي تم توثيقها فهي: طاحونة الشيخ كامل عيسى، طاحونة الجد، طاحونة عبود، طاحون عين الكبير، طاحون شهاب الموعي، طاحونة الشيخ، طاحونة الرجام على نهر الغمقة وروافده وطاحونة القرق على نهر العروس وطواحين الشيخ حسن، عين عصفور، المخاضة، الصهيوني، عين اللبنة، بولوس، يوحنا، عسكريت، الجلف، نبع لياس، درويش، الدير، المهيري، العزيز، القبو، الجديدة بداد، السيسنية، برهان، ريشة، عين مريزة، التوينين، العريمة، الصف، تل صفرون، الهويسيسة، بحوزي وكل هذه الطواحين على نهر الأبرش. وعدنا للحديث مع مدير آثار طرطوس المهندس مروان حسن والذي ختم بالإشارة إلى جملة عوائق تعرقل عمل مديريته وفي مقدمتها ضعف الامكانات المادية وعدم وجود بعثات تنقيب أجنبية في طرطوس وقانون الأحراج وصعوبة الوصول إلى بعض المواقع. وبدورنا نقول: قطعت مديرية آثار طرطوس شوطاً مهماً فيما يخص الطواحين المائية الكثيرة الموجودة على أنهار المحافظة وهذه الخطوة وإن جاءت متأخرة إلا أنه بامكانها أن تعيد الحياة إلى المكان الذي يضم هذه الطواحين من خلال إعادة تأهيل ما يمكن تأهيله من هذه الطواحين واستثمارها سياحياً والبحث أكثر بالأماكن المرتبطة بها فالمتوقع أنها تنام على ثروة كبيرة من الآثار النفيسة. |
|