|
رسم بالكلمات «إبداعات جيل جديد» انعكست آثارها في كتاباتي، فأوقد فكري بنوره، فكان شعلة تضيء، ومثالا يحتذي به الكتاب الشباب، كإنسان ومبدع استطاع أن يشق طريقه بمفرده في الدروب الصعبة، وأن يسهم في وضع بصمته الخاصة في سجل القصة القصيرة ككاتب وناقد. بداية أهنئك بالفوز بجائزة يوسف إدريس، وأنت أول كاتب سوري ينالها، فما هي الأسس التي اعتمدتها للنهوض بنصك الأدبي, والتي ساهمت في نجاحك والوصول إلى ما أنت عليه؟ وماذا أضافت لك هذه الجائزة الأدبية الكبيرة؟. في البدء شكرا لمشاعرك الطيبة. أما بخصوص السؤال فأرى أن النص الأدبي الجيد يحتاج إلى عناصر أساسية، لعل أهمها: انتقاء فكرة مميزة، واختيار الأسلوب المناسب للمقولة العامة للعمل، وهذا يأتي بعد العمل لسنوات طويلة على قراءة الكثير من أعمال كبار الأدباء، دون إغفال الاطلاع على أهم النظريات والمدارس الأدبية. ولاشك أن كل جائزة هي بطريقة ما اعتراف بقيمة العمل الأدبي وأهميته، رغم الواقع الثقافي المتردي الذي نعاني سلبياته. إضافة إلى أن الجائزة تقدم شهرة يحتاجها الكاتب ليتمكن من الوصول إلى القارئ. ولكن لابد من الإشارة الى أن بريق أية جائزة يخبو مع الزمن في حال لم يستمر الكاتب في العطاء، فالجوائز على أهميتها لا تصنع كاتبا كبيرا. فعلى سبيل المثال معظم الذين فازوا بجائزة نوبل للآداب اندثروا تحت طبقات النسيان، بينما ظلت أسماء كبيرة متواجدة بقوة رغم انها لم تنل جائزة نوبل، مثل: (انطون تشيخوف- دوستوفسكي- ليو تلستوي- طه حسين- توفيق الحكيم- محمود درويش). لا نرى في قصصك استهلالات وصفية، إذ إنك تدخل في موضوع القصة/ الحدث مباشرة. هل هذا يعني أنك تبدأ مثقلا بالفكرة، وحين تريد الكتابة تفرغ سلتك من هذه الثمار؟ أم هو نوع من المخاتلة لجذب القارئ؟. لابد من القول انه ليس بالضرورة أن تبدأ القصة بالمقدمات الوصفية، وأنا شخصيا أحب أن يدخل القارئ أجواء القصة منذ الكلمة الأولى. غالبا لا أبدأ بالكتابة إلا بعد اختمار فكرة القصة في رأسي، وهناك الكثير من القصص تولد مكتملة في مخيلتي قبل أن تتحقق على الورق. ولا أعمل على جذب القارئ بالحيلة، فالنص الجيد هو أفضل ما يقدمه الكاتب للقارئ، أما القارئ الذي يبحث عن التسلية فلا يعنيني أمره، ولا أضعه ضمن اهتماماتي. نجدك في حبكتك القصصية تعتمد على الحركة وتصاعد الحدث قبل الخاتمة، فهل هذه الطريقة تسهل قول ما تريد؟ أم انك تنظر إلى المتلقي على انه أقل استيعابا؟. من الطبيعي أن تتصاعد الحركة تباعا قبل الخاتمة التي يفترض بها أن تقدم إضاءة شاملة للقصة مع خاتمتها المدهشة. ومن جهة أخرى لا أضع في حساباتي أن القارئ أقل استيعابا أو أكثر استيعابا، أنا أكتب النص الذي يرضي تطلعاتي، أما علاقة هذا النص بالقارئ فهو أمر آخر. قصصك تنتهي غالبا بنهاية مأساوية. فهل ترى أن الإقدام على البطولة معناه الموت المحقق بالضرورة؟ أم أن هذا يعود لواقعية محضة؟ مع العلم أن الخيال منشؤه الواقع وليس العكس؟. قد يكون الواقع الذي نعيش فيه منشؤه الخيال، فالأهرامات على سبيل المثال كانت فكرة في رأس أحدهم ثم تحولت إلى بناء عملاق، كذلك الكثير من المعارك الحربية العظيمة التي غيرت وجه التاريخ, كانت مجرد فكرة في رأس رجل ما، فثمة علاقة جدلية بين الخيال والواقع أكثر مما نتوقع. أما النهايات المأساوية فمردها الواقع التعيس، طبعا هذا الإحساس بالفجيعة نسبي، فهناك واقع آخر لطبقة اجتماعية أخرى لا تعاني إلا من تخمة البهجة. أما البطولة فلا ترتبط بالموت، فالموت المجاني يختلف عن التضحية في سبيل قضية عادلة. في قصصك أفكار ذات طابع غرائبي؟ ما الذي دفعك إلى اتباع هذا الأسلوب؟. لعل السبب الأهم هو أنني حريص على الخروج عن الرتابة القصصية السائدة، وهذا الدافع منشؤه أنني أبحث عن المختلف، فلا أريد أن أكون كاتبا مستنسخا، وأريد أن أصنع شخصيتي الأدبية الخاصة.. قد أنجح أو أفشل، وهذا موضوع آخر. كيف ترى الصورة الفنية؟ وكيف تقبض عليها بين المشاهد المعاشة؟ هل تنتقيها أم انك تعتمد على الكتابة الذهنية من خلال قراءاتك؟. الصورة الفنية ليست منسلخة عن الفكرة والموضوع، لهذا يصعب الحديث عنها ضمن حيز جواب محدد. على أية حال، القراءة عنصر مكون أساسي في شخصيتي، كذلك لا أجد أن تجربتي الحياتية كانت أقل تأثيرا منها على نتاجي الأدبي. كتبت الرواية والقصة والمسرح وأدب الأطفال والنقد الأدبي، فما رأيك بظاهرة تعدد الأجناس الأدبية؟ هل هو نوع من الخيانة للجنس الذي بدأت فيه دربك الأدبي؟ أم هو نوع من الموضة والاستعراض؟. تعدد الأجناس يعود إلى إرادة الكاتب في التعبير بأكثر من طريقة واحدة عن أفكاره ومشاعره وأحاسيسه، فضلا عن الموهبة الأصيلة. ليس هناك خيانة للجنس الذي بدأت بكتابته، فلا يوجد قانون أخلاقي أو مهني يلزم الكاتب بالكتابة في جنس واحد.. وأجد نفسي بعيدا عن الاستعراض لأنني أكتب منطلقا من قناعات معينة، ولا أكتب ما يطلبه الآخرون. |
|