تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مناخات ومؤتمرات

معاً على الطريق
الأثنين 7-12-2009م
خالد الأشهب

ستة غازات سوف تجري محاكتها الاسبوع المقبل أمام مؤتمر المناخ الذي سينعقد في كوبنهاجن ,

وسوف يجري إطلاق الأحكام عليها بتهمة التسبب بالدفيئة وبما أصاب البيئة العالمية من خلل وضرر عكسته تغيرات مناخية تجلت في غير مكان من العالم بأشكال من الجرائم الجماعية ,يرتكبها الجفاف والفيضانات والتصحر ونقص المياه العذبة . وثاني أوكسيد الكربون أول الغازات المتهمة ومن خلاله الدول والمجتمعات الصناعية التي تقف خلف كثافة إطلاقه , وهو أول وأقدم الضرائب الباهظة , يدفعها بعض البشرية لقاء إنتاج الحضارة , فيما يدفعها البعض الآخر منها لقاء استهلاك الحضارة .‏

غير أنني لا أرى في الغازات الستة التي سيحاكمها مؤتمر كوبنهاجن.. حتى ولو صارت ستمئة من هذا النوع , لا أرى فيها سببا وحيدا لتلويث البيئة وارتكاب جريمة الاحترار بما فيه من إقلاق للمناخ وأنظمته الطبيعية , فثمة غازات أخرى لعلها لا تكون واضحة في لونها الأسود مثل ثاني أوكسيد الكربون وثالثه ورابعه , بل هي شفافة وغير مرئية إلى حد الالتباس , تدمر كل أصناف الحياة والبيئة المحيطة بالإنسان وتمد يدها الآثمة نحو بيئته الداخلية , فتتسبب بتصحر النفوس ويأسها وإحباطها , وبجفاف الأرواح وندرة الجمال فيها , وبفيضانات التطرف والتعصب والضغينة الجارفة التي هي أشد من القتل أحيانا !!‏

ومع أن أميركا تعارض مؤتمرات معالجة التلوث وإصلاح المناخ دائما , وقد لانت قليلا بعد مجيء إدارة أوباما , رغم أنها أول وأكبر باعثي الكربون الأسود وغازاته في فضاءات البشرية وحلوق أبنائها وأفواههم , ومع أنها وأوروبا واليابان وغيرها من الدول الصناعية يستطيعون إيجاد حلول لمشكلات التلوث والاحترار لديهم إذ هم سبب هذه المشكلات أصلا , فإنني أتساءل عما سنفعله نحن في عوالمنا النائمة المنسية , المقهورة مرة والجائعة مرة ثانية , المتخلفة ثالثة والمريضة رابعة , أمام ما يتهددنا من تلك الغازات الشفافة الملتبسة , التي أنتجنا بعضها بأنفسنا واستوردنا البعض الآخر منها , تتغلغل في بيئات إنساننا المحيطة والذاتية , فتؤرق عيشه بالفقر والقلة , وتحبط فيه النفس والصبر والطموح , وتدفعه إلى الانتحار دون أن يلفظ الأنفاس , وإلى جوف التراب دون أن يكون جثة ؟‏

أتساءل عن غازات كثيرة من هذا النوع الشفاف الملتبس , يضللنا ويعمي عيوننا فلا نميز بين غاز وآخر , ويساوي بيننا فلا نعرف من هو المجرم فينا ومن الضحية , أتساءل مثلا عن غاز يعصف بعوالمنا بتدرجاته الكثيرة المتفاوتة بين الرشوة والمبازرة على الأوطان كما تدرجات الكربون وأكاسيده , ذاك ينهك عضد الغلاف الجوي ويفتح في جسده جروحا تمرر ما يحرق من الشمس ويجفف ويصحر, وهذا يهتك كل أغلفتنا ويفتح فيها جروحا تدمر وتهرب اقتصاداتنا وجيوبنا وأعمارنا فيجفف نفوسنا ويقدد أحلامنا ويصحر أفكارنا , ومثله غازات وغازات !!‏

كم مؤتمرا نحتاج لنعالج مناخاتنا المحيطة والذاتية , نصفيها , ونطرد الصقيع من أوصالنا ورؤوسنا ؟؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية