|
إضاءات وأصبحت له منابر في دول كثيرة من العالم، والصغار يتوجهون الى أروقة البرلمانات كلٌ في بلده ليطّلعوا، وليشاركوا، وليجدوا من الكبار وأصحاب القرار مَنْ ينصت لهم ليستمع الى آرائهم، بل ويشاركهم في مشكلاتهم، ويبحث معهم للعثور على حلول ناجعة لها.. ومن خلال ذلك يتم التعريف على أرض الواقع بحقوق الطفل، وبواجباته مقابل تلك الحقوق.. والأهم من كل هذا هو ترسيخ ثقافة المواطنة الى جانب ثقافة الحوار التي تبني جسوراً من التفاهم بين الأفراد داخل المجتمع الواحد. ومما يلفت الانتباه في هذا السياق أن أحد برلمانات الطفل العربي كان شعاره بناءً على اختيار أعضائه من الأطفال: (التقنية خيارنا للمستقبل)، لتتجه الأنظار الى وضع الطفل العربي في ظل الثورة الرقمية، والمطالبة بتوفير مناخ تعليمي غير نمطي يُستثمر فيه انجذاب الأطفال نحو الألعاب الإلكترونية، وشبكة المعلومات بما توفره من مساحات بلا حدود من المتعة، والفائدة بآن معاً. وقد يتنبه النواب الصغار الى مستجدات ربما ما كانت لتخطر على بال الكبار لتوضع تلك الأفكار على مائدة الحوار، ومن ثم القرار. والصغار يكتسبون في مغامرتهم هذه الجرأة في التعبير عن الذات، ومناقشة ما يجب مناقشته مع الكبار، وبين بعضهم بعضاً. هذه التجربة المصغرة التي نُفذت منذ عقود لعلها كانت النواة الحقيقية لما أصبحنا نراه اليوم في مؤتمرات الشباب التي تعقد بوتيرة سنوية تقريباً وخاصة في مصر. وها هو مؤتمر الشباب الأخير في القاهرة ينجح في صياغة دور للشباب يمكّنهم في المستقبل من صناعة القرار وذلك من خلال نموذج المحاكاة.. هذا النموذج لمحاكاة مؤسسات الدولة يجسد دوراً حقيقياً لفئة الشباب من الجامعيين، والمبدعين، والمبتكرين، والموهوبين عندما يدخلون الى وزارات الدولة، ومؤسساتها للاطلاع على ملفاتها، والإحاطة بالمشكلات التي تواجهها، وليقوموا بدور المشاركة في البحث عن حلول جادة كما لو أنهم من المعنيين بذلك، أو أنهم في موقع القرار لتكون هذه المحاكاة أقرب الى الواقع منها الى المشاركة عن بعد. هذه الحلول المفترضة التي يأتي بها العنصر الشاب في مؤتمره، وكلٌ في الاختصاص الذي يعنيه في دوائر متقاربة هي للتعليم، والثقافة، والإعلام، والإصلاح الاقتصادي فإنها تجد لها آذاناً صاغية، وسبيلاً نحو التطبيق إذا ما ثبتت صحتها لتُعامل بالتالي الأفكار الجديدة بإطار من الاحترام والجدية. وهذا يحقق بدوره صحة الانتماء الى الهوية الوطنية، والمشاركة الحقيقية في عجلة التطور، والنماء. وليصبح الشباب مطالبين في كل وقت بمواجهة المشكلات القائمة بعد أن اقتربوا من حقيقتها، والبحث عن حلول مبتكرة لها يسعفهم بها حماسهم، والأفكار الجديدة التي يحملونها وقد عززتها ثقافتهم التي خدمتها أساليب التعليم الحديثة، ووسائل العصر بما وفرته من علوم، ومعرفة. وليتضح نضج السؤال بعد ذلك في مساحات الحوار سواء على منصات المؤتمرات، أو في الحياة العملية، ومن ثم نضج الجواب الذي يأتي بالحلول المنطقية. وعندما تتضافر الجهود الشبابية في طرح الأفكار الجريئة، والرؤى من وجهة نظر عقول شابة، ويصبح نموذج المحاكاة حالة حوار دائم بين الأفراد والمؤسسات الرسمية تصبح المشكلات أسهل حلاً، وأيسر استقصاءً، وتحليلاً، والحوار يصبح بناءً أكثر، ومثمراً بشكل أفضل، لتتحقق تلك التنمية المنشودة وهي التنمية المستدامة. أما الثمرة الحقيقية فهي تلك التي سيقطفها هؤلاء الذين كانوا صغاراً، أو شباباً عندما زرعت البذور، وهم مَنْ سيكبرون، وسيصبحون في موقع القرار ليشهدوا بأنفسهم مع غيرهم من أبناء جيلهم نتائج ما تحقق. وما أحوجنا في هذه الأوقات العصيبة التي تواجهنا في منطقتنا العربية الى تضافر كل الجهود باتجاه هدف واحد هو الإصلاح، والتطوير. |
|