|
ثقافة
«وجدت الأفكار مع وجود الإنسان، بل إن الإنسان قد استدل على وجوده-أحياناً-من خلال فكرة «أنا أشك إذن، أنا أفكّر. أنا أفكر، إذن أنا موجود» فالفكر قد عالج جميع ما صادفه من مسائل، والفكر اليوناني قد نظّم هذه المسائل، ولاسيما المسألة المهمة التي تتعلق باللوغوس المقدس، أو «الكلمة»، فكان مفهوم هذا المصطلح هو الواسطة بين الإله والموجودات. لكن، هذه الواسطة اتخذت صوراً عديدة، فإن من أهم مقومات الوجود، الشيء الذي ظهرت به الأشياء إلى الوجود، فقد يكون اسماً في بعض الفلسفات، وقد يكون فعلاً في فلسفات أخرى، وقد يكون فاعلاً أو شخصاً أو عقلاً إلى غير ذلك، مما اصطلح عليه في الفلسفة».. قدم الدكتور «الويسي» بذلك، متناولاً في أولى فصول كتابه «مدلولات الكلمة في الفلسفة اليونانية قبل أفلاطون»، وهو البحث الذي تحدث فيه عن «مفهوم اليونانيين للكلمة كشيءٍ مقدَّس ومحرك للعالم».. الكلمة، التي وإن استخدمت «في الإلياذة بمعنى القدر، أو القوة الغامضة التي تُخضع لسطوتها حتى الآلهة» إلا أنها كانت لدى الفلاسفة: «طاليس»: «أصل جميع الأشياء هو الماء، والأشياء أصلها واحد، وسواء كان أصل الأشياء الماء أو تلك الكائنات الإلهية، فإن في هذا الأصل نفس كلية حرَّكته لإيجاد الأشياء، وهذه النفس هي «الكلمة - اللوغوس».. «هرقليطس»: الكلمة هي «مبدأ الحياة والإرادة الإلهية التي يخضع لها كل ما في الوجود»، واللوغوس، هو «الناموس الذي يسيطر على الكون». «فيثاغورث»: «اللوغوس هو العدد المقدس». «سقراط»: «الصوت أو الوحي الإلهي. الكلمة والواسطة بين الإله والإنسان».. الرواقيون» «المبدأ الفاعل في المادة والنار ذات الفعالية، أو الروح المتأجج في العالم أو العناية الخيرة».. بعد هذا الفصل، يبحث الكاتب في «مفهوم الكلمة عند أفلاطون وأرسطو».. فيجد «أفلاطون» مؤمن بأن «اللوغوس، هو الحوار «الجدل» وصولاً إلى الحقيقة» وهو ما يختلف عن تعاليم السفسطائيين الذين كانوا يستخدمون الجدل لذاته، مثلما عن فلسفة «أرسطو» القائلة بأنه «المبدأ الأول-المنطق». باختصار: يتناول هذا الكتاب وفي جميع فصوله التي منها أيضاً «الكلمة أو اللوغوس في الفكر الفلسفي والديني اليهودي» و»الكلمة أو اللوغوس في الفكر الفلسفي والديني المسيحي» و»مفهوم الكلمة في الفكر الصوفي الإسلامي».. يتناول، خفايا الأفكار المتعددة في اللفظ الواحد «الكلمة». الكلمة التي توصل الكاتب وبعد أن بحث في معانيها ومدلولاتها الفلسفية والدينية، إلى أنها «ذلك اللوغوس المقدس، والواسطة بين الآلهة والموجودات»، وبأن هذا المفهوم «لم يغب عن أي فلسفة ظهرت، وسواء في الفكر اليوناني قبل الفلسفة، أو في المدارس الفلسفية اليونانية القديمة قبل سقراط أو عنده». توصل أيضاً، إلى أن كل الفلسفات كانت قد تعاملت مع هذا المفهوم، بألفاظ مختلفة، فمنها مايراه «الكائن المتوسط بين الله والعالم» ومنها مايقول بأنه «منبع الوحي والإلهام».. منها أيضاً، ما اعتبره «الحقيقة» أو «المادة الأولى المكونة للعنصر في الطبيعة» أو حتى «عدداً روحياً». يختم الكاتب بهذه الاستنتاجات، معتبراً أن أهم لفظ تعامل به فيلسوف مع هذه الكلمة، هو لفظ «الوحي» لدى «سقراط» وبأن هذا اللفظ قد تجسد لدى «أفلاطون» في «المثال الذي اشتُقَّت عنه نظريته في المُثل». يختم بذلك، ونختم نحن بالتعريف به وبأنه: كاتب وباحث معاصر-أستاذ الفلسفة الإسلامية في الجامعة المستنصرية. له العديد من النصوص والمؤلفات الفلسفية التي منها: «في اثر الفلسفة الإسلامية المشرقية على الفلسفة المغربية» و «ابن خلدون ونظرته للتصوف» و»السهروردي الإشراقي ونقده للفلسفة اليونانية» و»التصوف في العراق ودوره في البناء الفكري للحضارة الإسلامية» وغيرهم الكثير.. |
|