تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الآلة الإعلامية والإرهاب ..الطبيعة والدور والأهداف

متابعات سياسية
الثلاثاء 28-6-2016
حسن حسن

دأبت الآلة الإعلامية المكونة من مئات القنوات والصحف والمواقع الالكترونية الخليجية والعربية والعالمية خلال السنوات الخمس الماضية على تصنيع قضية إنسانية تبرر الحرب الوحشية التي شنتها على سورية أنظمة إقليمية سخرت نفسها لخدمة الاستراتيجيات الأميركية،

فكان في البداية تسويق رواية الدولة التي تقتل شعبها ، والشعب الذي يبحث عن حريته ،وراهن مخططو الحرب الناعمة على سورية بقوة على أدوات تكنولوجيا الاتصال الحديثة لإنجاح مخططهم ، ولكن المحصلة النهائية جاءت بعكس ما أرادوه تماماً.‏

لقد أغدقت الدول الإقليمية التي قامت بتنظيم ما سمي بـ (الحراك السلمي) منذ بداياته بالمال والسلاح على كل من هو مستعد لقتال دولته الوطنية من السوريين بما في ذلك المجرمون والمهربون والهاربون من سلطة القانون، لكن الإدارة الأميركية لم تنجح في العثور على جسم شعبي معارض حقيقي عدا الجماعات المتطرفة المشبعة بالثقافة الوهابية التكفيرية ، وقد اعترف بهذه النتيجة الرئيس الأميركي باراك أوباما عندما صرح بعد سنوات من الأزمة بأن اسقاط الدولة السورية عبر معارضة (معتدلة) ما هو إلا نوع من (فانتازيا) من هنا جاء سقوط قضية ما سمي بـ (الثورة) من أجل الديمقراطية في سورية سقوطاً مدوياً ، مع تصاعد الممارسات الوحشية التي نقلتها عدسات تصوير المسلحين أنفسهم .‏

ومع مضي الوقت دون النجاح في اسقاط الدولة السورية أو فرض السيطرة على مدنها الأساسية بسبب بقاء الكتلة الأوسع من الشارع السوري خلف دولته الوطنية وجيشها ، عملت الآلة الإعلامية الممولة خليجياً التي وقفت وراء الحرب على سورية على ترميم روايتها السابقة بكل الوسائل ، فروجت لذريعة أن تدخل أطراف أخرى كحزب الله ومتطوعين من دول عربية وخبراء إيرانيين هو الذي حال دون سقوط الدولة السورية ، متجاهلة أن نسبة المتطوعين المقاتلين من غير السوريين لا يتعدى حدوده بالمئة من مجموع المدافعين عن المدن السورية في وجه موجات الإرهابيين الذين جمعتهم المخابرات التركية من أصقاع الأرض مستفيدة من شبكة العلاقات التي نسجتها مع بلدان وسط آسيا.‏

وعليه ، فقد واجه الجيش العربي السوري أكبر حشد من الإرهابيين ، هؤلاء الذين تمتد جذورهم وتجربتهم القتالية إلى معارك أفغانستان والبوسنة وكوسوفو والشيشان والعراق ، والذين أثبتوا في معاركهم السابقة شراسة مكنتهم من الصمود في وجه أعتى جيشين مسلحين بأحدث تكنولوجيا السلاح في العالم (السوفييتي في أفغانستان والأميركي في العراق) ورغم أن عدد الإرهابيين في التجربة السورية وحسب التقارير الصادرة عن مراكز الأمن الدولية فاق مجموع كل المقاتلين في التجارب السابقة ورغم أنهم خطوا بدعم تسليحي ومالي واعلامي لم يخطوا بمثله في التجارب الماضية ، ورغم أن غالبية دول الجوار لسورية (تركياوالأردن وغيرها) تورطت جميعها في تقديم الدعم اللوجستي لهم بتوفير خطوط الإمداد وقواعد الانطلاق إلا أن هؤلاء أخفقوا في تحقيق المطلوب منهم.‏

وعندما بدأ الدعم الجوي الروسي للجيش العربي السوري أصبح واضحاً أن المشروع الإرهابي في سورية يدخل مرحلة الاختصار ، لذلك استنفرت الآلة الإعلامية الداعمة وبدأت بالترويج لقضية ما سمته الاحتلال الروسي ، مدعومة بفتاوى رجال الدين العاملين في البلاطين السعودي والقطري ، في محاولة لاجتذاب المزيد من المقاتلين في أنحاء العالم الإسلامي ، لكن سرعة الانهيار المفاجئة لجموع المقاتلين على الأرض السورية وتسليمهم البلدات والمواقع بلا قتال في كثير من الأحيان ،تبدو وكأنها تسقط كل فرصة لتسويق نظرية بلد محتل وشعب يقاوم لتحرير بلاده وعوضاً عن الصمود فضل الإرهابيون الذين حرقوا واعتصبوا وسرقوا صوامع الحبوب وآبار النفط خلال السنوات الماضية أن يفروا باتجاه تركيا في مشهد شبيه بفرار جيش لحد باتجاه (إسرائيل) عام 2000، متذرعين لتبرير هزيمتهم بوجود مؤامرة عالمية ، وبخيانة داعميهم ، مستدلين بعدم تزويدهم بصواريخ قادرة على اسقاط الطائرة ، وكأن ثوار حرب العصابات خلال التجارب الثورية في التاريخ من الصين لكوبا للجزائر إلى فيتنام اعتمدوا خلال ثوراتهم على تحقيق السيطرة الجوية ، وليس على الحاضنة الشعبية وعلى القدرة على بذل الدماء.‏

في مطلق الأحوال ، لم يكن الصاروخ المضاد للطائرات هو ماينقص إرهابيي مايسمى «الثورة السورية » بقدر ما كانت تنقصهم القضية العادلة، فهم بدؤوا بإخلاء مواقعهم بمجرد أن أيقنوا أن وعود داعميهم بالتدخل جوياً كما في ليبيا قد ذهبت أدراج الرياح بعد سنين طوال من الانتظار. وربما هذا مايفسر لنا الدوافع الحقيقية للتصريحات السعودية التركية الأخيرة التي يبدو أنها تهدف لشد أزر الإرهابيين عبر احياء آمالهم بإمكانية التدخل المباشر لدعمهم أكثر مما تعبر عن نية حقيقية بتنفيذ مالم تتجرأ تلك الدول على الإقدام عليه في مراحل سابقة من مراحل الصراع.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية