تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كلمات لوجه التاريخ

إضاءات
الثلاثاء 28-6-2016
سعد القاسم

تحت هذا العنوان الفرعي، وعنوان رئيس يقول: «هكذا بدأ الانهيار»، صدر المؤلَف الجديد للدكتورة نجاح العطار جامعاً عدداً من كتاباتها السياسية التي نشرتها في ثلاث مراحل متتالية: مطلع تسعينات القرن الماضي، ومطالع القرن الحالي،

وخلال الأعوام القليلة الماضية.ومع ذلك لا يصح التمييز الحاد بين الكتاب الجديد، والكتب التي أصدرتها الدكتورة العطار خلال الآونة الأخيرة وضمنتها كتاباتها في الأدب والثقافة والآثار، فالسياسة لم تغب عن تلك، كما لم تغب الثقافة عن الكتاب الأحدث، وبعضٌ من حضور الثقافة هنا، إشارتها غير مرة إلى تنديد الكاتب الفرنسي «موريس ماشينو» في الصفحة الأولى من الشهرية الرائعة «لوموند ديبلوماتيك» بالمثقفين «الذين صاروا المبشرين بالعولمة الليبرالية، خانعين للسادة الكبار،متملقين مداهنين لكل السلطات، وبشكل رئيسي تلك التي ترتبط بوسائل الإعلام الضخمة،هؤلاء المثقفين الذين ينتهكون مهنتهم، ويخونون أسلافهم الذين كانوا رواد نضال وطلاب عدالة».‏

تتصدر غلاف الكتاب صورة مركبة لتمثال صلاح الدين الأيوبي، المنتصب أمام السور الغربي لقلعة دمشق، و نصب «الحرية» في ساحة «التحرير» ببغداد، واختيار هذه الصورة المركبة يشير ببراعة إلى أكثر من نقطة جوهرية في الكتاب، فتمثال صلاح الدين الأيوبي الذي أنجزه عام 1992 النحات عبد الله السيد ضمن احتفالية الذكرى المئوية الثامنة لمعركة حطين،(أطلقت المبادرة الدكتورة العطار وكانت وزيرة للثقافة يومذاك) يختزل معاني الكفاح ضد العدو الغازي حتى تحرير البلاد ونيل الحرية، وهو المعنى الأساسي لنصب «الحرية» الذي أنجزه النحات العراقي الرائد «جواد سليم» وصار منذ مطلع الستينات أبرز معالم مدينة بغداد.والتقاء هذين الرمزيين في غلاف الكتاب لا يؤكد فقط خصوصية العلاقة التاريخية بين بغداد ودمشق، وإنما يشير إلى موضوع الكتاب الأساسي، أي الأحداث الكبرى التي عرفتها بغداد منذ أواخر القرن الماضي، وموقف دمشق منها.‏

قدمت المؤلفة لكتابها بالحديث عن الفارق بين سهولة اتخاذ القرار وصعوبته، وهو يكمن في انخفاض درجة النظر إلى الأمور، وفي ارتفاعها. لتبيان رأيها في أن غزو العراق للكويت كارثة أصابت العرب جميعاً، ذلك أن «هناك حكاماً بينهم وبين التأني و الاستبصار مسافة شاسعة يرتجلون القرارات فيقعون في مصيدة التهور». وهذا ما حدث فعلاً بغزو الكويت، الذي تلا ثمانية أعوام من الحرب الدموية العبثية على إيران وُصفت بداية بحرب العروبة المقدسة وانتهت بإعلان من أشعلها بأنها فتنة من عمل الشيطان. هذا الحدث الكارثي، الذي مهد لسلسة من المصائب التي حلت بالعراق والأمة، كان موضوع القسم الأول من الكتاب، وقد افتتح بنص الرسالة التاريخية التي أرسلها الرئيس حافظ الأسد، إلى الرئيس العراقي داعياً إياه لسحب ذريعة العدوان على العراق، قاطعاً عهداً على نفسه بوقوف سورية، بكل إمكانياتها، إلى جوار العراق إن هو تعرض للعدوان بعد انسحابه من الكويت، وتلا الرسالة خمس مقالات نشرتها الدكتورة العطار خلال الشهرين الأول والثاني من عام 1991 ناقشت فيها بعقلانية سياسية، ومنطلق قومي سليم الأخطار التي تتهدد العراق والأمة جراء الغزو، وهو ما أثبتته - بكل أسى - الأيام التالية.‏

في هذا القسم من الكتاب تسرد الدكتورة بعمق تحليلي الواقع العالمي الناجم عن تفكك الاتحاد السوفييتي، وانهيار المعسكر الاشتراكي، والمسعى الأميركي لتكريس الهيمنة، في معرض تفنيدها للأقوال التي كانت تحكي عن (فيتنام) جديدة على تخوم الخليج ستلحق هزيمة مماثلة بالأميركيين فيما لو حاولوا دخول الكويت، مستشهدة بالوقائع والوثائق وتصريحات القادة السياسيين والعسكريين الأميركيين، الذين بدا واضحاً منذ البداية حرصهم على استدراج العراق إلى مصيدة، تكون نقطة انطلاق للسيطرة عليه، وعلى المنطقة. ونهب ثرواته وثرواتها. وهو محور القسم الثاني من الكتاب الذي كرّس جلّه للدفاع عن العراق في وجه الحصار الجائر الذي فرض على شعبه، وبلغ ذروته بالعدوان العسكري المباشر الذي شنته الولايات المتحدة وبريطانيا في تحدٍ سافر للقانون الدولي والرأي العام العالمي. وقد ضم هذا القسم من الكتاب كلمات ومقالات للدكتورة العطار، ولقاءات صحفية أجريت معها تعود جميعاً إلى عامي 2002و2003.وفيها كمٌ ثري من التفاصيل عن السياسات العالمية، والأهداف الأميركية في منطقتنا، وعن تركيبة الإدارة التي ترسم السياسات الخارجية الأميركية، بما يخدم المصالح الاقتصادية لتلك التركيبة، وضمناً عن أسباب التناقض الجزئي بين الإدارة الأميركية والإدارة البريطانية. وفي ختام هذا القسم نشرت الدكتورة العطار ما وصفته بـ«نثار من أوراق ترتبط بندوة عقدت في لبنان عام 2003 تدور حول ضرورة إعادة النظر في أمور جامعة الدول العربية..(حيث) اتضح أكثر فأكثر بؤس موقف هذه الجامعة..(وقد) وجدت أنه من المفيد أن أنشر نثاراً من هذه المداخلات التي تنبأت بالأحداث حتى قبل أن تقع، في أيامنا المريرة هذه.. »..‏

يختتم القسم الثالث الكتاب بعنوان «الإيمان بالعروبة ضرورة» في تأكيد على ما جاء في موقع سابق من الكتاب: «إن أي أمر ينبغي ألا يغرقنا بالحزن أو الإحباط، ويحولنا إلى ندَابين، نبكي مآسينا، بدلاً من مناضلين يسعون للخروج إلى ميدان عمل كفاحي في منظوره أن يغير هذا الوضع».‏

أخيراً ..إن ما تقدم ليس أكثر من إشارات عجولة لبعض مواضيع هذا الكتاب الثري الصادر عن اتحاد الكتاب العرب، وهو ما يسجل لصالح الاتحاد، ليس بسبب الأهمية المعرفية للكتابفحسب، وإنما أيضاً بسبب القيمة الأدبية السامية لمؤلفته، التي تمنح مؤلَفها مكانة خاصة في الأدب السياسي.‏

www.facebook.com/saad.alkassem

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية