تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«مَنْ يسرق العيد؟»

اضاءات
الجمعة9-8-2019
لينا كيلاني

لكل مناسبة احتفالية، ولكل عيد من الأعياد طقوس خاصة لها تاريخ طويل.. والأعياد الدينية تأتي في مقدمة تلك الاحتفالات لما يحيط بها من قداسة، ومهابة في النفوس.

وعيد الأضحى الذي اقترن بالذبيحة، وبتأدية فريضة الحج تحظى أيامه بالروحانية، والمعاني السامية.. فمع تكبيرات العيد هناك غائب ندعو له بالحج المبرور، والسعي المشكور.. وفقير تسقط الصدقة في يده وقد سبقها الأجر والثواب عند الله.. وصلة الرحم معقودة بين أفراد الأسرة الواحدة مهما تباعدت أواصر القربى.. والزيارة لمراقد الأحبة تحت الثرى داعين لهم بالرحمة والغفران.‏‏

والصغار يبتهجون فرحين بما اتاهم به العيد من ثياب جديدة، ومبالغ نقدية هي من (العيدية)، وحلوى لذيذة، وأطعمة مميزة.. هذا إلى جانب السعادة التي تغمر الجميع عند توزيع لحم الأضحية على فقراء ربما لا يذوقون هذا الطعام إلا من العام إلى العام.‏‏

كل هذه الإيجابيات التي تأتي بها مناسبات الأعياد والدينية منها على الأخص لا تنفي سلبيات تأتي على الطرف المقابل، قلما تحدثنا عنها لأننا ننشغل بالمباهج عن المنغصات التي ترافق مواسم الأعياد وقد عقدت مواسمها معها.. وكأنه حرام على الفرح أن يكون صافياً، وخالصاً.. فإذا ببعض تجار السوق ممن يتطلعون إلى الربح السريع يطرحون بضاعة لا تستوفي شروطها الصحية لتكون سلعة رائجة طالما أن الطلب عليها يزداد في أيام العيد، وهي لا تبدأ بالأطعمة المغشوشة، والمفرقعات، وألعاب الأطفال المحظورة كتلك البلاستيكية الرخيصة، والجذابة بما يكفي لأن يقبل الصغار على شرائها، أو الأخرى التي تنصب للمناسبة في الأماكن المفتوحة دون شروط السلامة اللازمة التي يجب أن تكون دقيقة وصارمة حتى لا تقع الحوادث المؤسفة.. والألعاب على تنوعها هي التي تأتي بالدرجة الأولى مما يفضله الصغار في إجازتهم المفتوحة نحو المرح، والفرح دون حساب للمحاذير، والمخاطر التي يمكن أن يتعرضوا لها.‏‏

أما الكبار فهم أيضاً ليسوا بمعزولين عن هذه الدائرة التي يجدون أنفسهم قد دخلوا إليها مأخوذين بفرحة العيد دون حساب لما هو مسموح، وما هو ممنوع.. والسينما تأتي في رأس قائمة الترفيه، وقد تكون بديلاً عن النزهات ليقصدها الكبار مع أبنائهم بعد أن يصطفوا في طوابير الحصول على التذاكر، وليفاجؤوا بعد عناء أنهم أمام أفلام هابطة، ورديئة صنعت خصيصاً للعيد.. وكأن هذه المناسبة هي فقط لاصطياد رواد السينما، وخاصة من المراهقين، رغم ارتفاع أسعار تذاكرها، واكتظاظ مقاعدها، وليخرج المشاهد بعد أن كان شاهداً على ما يقترف بحقه، وقد أضاف إلى قاموسه اللغوي بعضاً من الألفاظ الخارجة، والخادشة، وإلى ذاكرته البصرية مشاهد لا تخلو من العنف، والابتذال.. وصاحب العروض يبرر بعد أن امتلأت الجيوب بالنقود بعبارة: (الجمهور يريد هذا).‏‏

أما وقد أصبحت أفلام العيد في السنوات الأخيرة تحقق أرباحاً غير مسبوقة، وتحظى بأعداد كبيرة من رواد السينما بعد أن أتقن صانعوها أساليب الدعاية، وعرفوا كيف يجذبون إليهم الكبير قبل الصغير، فهل حقاً كان الجمهور يريد هذه العروض الرديئة ليسعى إليها بوقته وماله، ويخرج منها نادماً، ومتأسفاً على ما هدره من وقت وما أنفقه من مال؟‏‏

وهل كان الأطفال الذين يقعون ضحاياً الغش في ألعاب يتوقون إلى الحصول عليها، أو ممارستها، وأطعمة يشتهونها.. أقول هل كانوا هم وأهاليهم يتوقعون أن تقع لهم الكوارث التي لم تأتِ مصادفة بل كانت أسبابها متوافرة؟‏‏

لكنه العيد.. وهو يأتي منذ أزمان وأزمان.. إيقاعه لم يتغير.. لكن الواقع ربما تغير.. فبعد أن كان العيد أيام زمان قناعة بما هو موجود ولو كان قليلاً.. أصبح قناعاً يخفي تحته السموم.. سموم من يسرق الفرحة ليحولها إلى غصة.‏‏

إلا أن الأمل باقٍ بعيد هذا العام.. يصدح بالفرح دون حوادث، ودون آلام.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية