تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قوس الأزمات والتجاذبات الدولية

شؤون سياسية
الأربعاء 9/1/2008
مصطفى انطاكي

السياسة السوفييتية في قوس الأزمة ,كتاب جديد للمؤلف فردهاليداي وترجمة عفيف الرزاز وإصدار مؤسسة الأبحاث العربية في بيروت وهو مداخلة في جدال.. جدال تطور في الولايات المتحدة وأوروبا أواخر السبعينيات.. وهو يدور حول طبيعة التغير الثوري في الشرق الأوسط, وفي غرب آسيا ككل,

وحول الدور الذي لعبته ضمن هذا التغيير القوى الخارجية الكبرى وخصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.‏

إن القضايا التي يعالجها الكتاب هي ذات صلة وثيقة بالعالم العربي وتقديم هذه القراءة الآن هو من قبيل الإسهام في تعريف القارئ بأحداث خطيرة جرت في هذه المنطقة من العالم والتي تسمى قوس الأزمة.. أي تلك البلدان التي تمتد من أفغانستان مروراً بإيران والجزيرة العربية ونزولاً حتى القرن الإفريقي, ومهما كانت الحدود بين هذه الدول وكيفما رسمت, فمن الواضح أن هذه المجموعة من البلدان كانت وما زالت موقعاً للغليان السياسي المستمر والذي يبدو أن لا نهاية له منذ منتصف السبعينيات ومهما كان للخيال أن يذهب بعيداً فإنه يستحيل النظر إلى أحداث سنوات قوس الأزمة باعتبارها مجرد أحداث ماضية فحسب,وهناك سببان محددان واضطراريان لذلك:‏

الأول: هو أن الكثير من سياسة الإدارة الأميركية قد رسمت بموجب مايفترض صانعو القرار لدى هذه الإدارة, أي هو نتاج للتوسع السوفييتي في جنوب غرب آسيا.‏

الثاني: هو أن حالات الغليان في هذه المنطقة لم تنته, ولتقييم الحرب الباردة الجديدة لابد من معرفة عاملين رئيسين لعبا دوراً هاماً في التصعيد هما:(طبيعة التوازن العسكري الشامل بين الشرق والغرب وتحليل التغييرات في جنوب شرق آسيا والطريقة التي استجاب فيها الغرب لهذه التغييرات خاصة في منطقة الخليج العربي لما يمتلكه من ثروات نفطية هائلة) لذلك ازداد الاهتمام بنفط الخليج زيادة كبيرة خلال السبعينيات نتيجة لتطورين اثنين: أحدهما هو أن الولايات المتحدة أصبحت مستوردة كبرى للنفط للمرة الأولى في تاريخها.. والآخر كان نمو شعور أكثر عمومية في البلدان الصناعية المتقدمة بأن هذه البلدان تعتمد على العالم الثالث في الحصول على مواردها المعدنية الحيوية).‏

ومع وصول ريغان إلى الرئاسة ربحت إدارته معركتها من أجل زيادة مخصصاتها العسكرية من 162 مليار دولار عام 1981 إلى 343 ملياراً عام 1986 وأحد العناصر الرئيسة في التوسع العسكري هو قوات التدخل في العالم الثالث.‏

أما في الاتحاد السوفييتي ورغم خسارة نفوذه في منطقة الشرق الأوسط فقد كسب بالمقابل نفوذاً في أثيوبيا وأفغانستان وتوصل إلى مساواة تقريبية في التوازن العسكري مع الولايات المتحدة, كل ذلك شكل تحدياً للوفاق, وجاء أحد التصريحات الأكثر إقناعاً بهذا التخوف الاستراتيجي على لسان هنري كيسنجر عندما قال: (الانحدار الجيوسياسي من فيتنام وعبر انغولا وأثيوبيا واليمن الجنوبي وأفغانستان, حط من معنويات الأصدقاء وشجع الأعداء). ولقد استطاع الاتحاد السوفييتي أن ينقض على التوازن الدولي.‏

في الحقيقة ورغم ما حدث من شكوك في الافتراضات السائدة حول قوس الأزمة فقد حدثت تغييرات حقيقية وهامة وطارئة على المنطقة ذات مغزى في السياسة الأميركية وفي الأهداف السوفييتية والتي تتمحور حول( أن الاتحاد السوفييتي هو جزء من النظام العالمي منافس مع النظام الرأسمالي وسوف يتفوق عليه عاجلاً أم آجلاً, ويلتزم الاتحاد السوفييتي أيديولوجيا بدعم ما تراه قوى تقدمية في العالم, والاتحاد السوفييتي يسعى جاهداً لتطوير علاقاته مع أكبر عدد من بلدان العالم ومن الضروري أن تكون قدرات الاتحاد السوفييتي تؤهله ليكون قوة عسكرية كونية, ويبقى هدف المساواة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة في كافة المجالات هو هدف ثابت, إن الهموم تحيط بموسكو من كل جانب (طوق كبير بالقواعد العسكرية الأميركية والمنظمات التحالفية- المستوى المحدود للموارد-ضرورة تفادي نشوب حرب نووية- الحفاظ على استقرار المنطقة العربية التي هي الأقرب إلى حدوده) فهذه المنطقة تمتاز بتقلبات سياسية غنية بالثروات و لها تأثير مباشر على الوضع السياسي والاقتصادي والعسكري داخل الاتحاد السوفييتي ومن ثم النشاطات اليهودية داخله للهجرة إلى (إسرائيل) بالنسبة إلى العرب تبقى القضية المركزية لسياسات الشرق الأوسط هي قضية الصراع الغربي الإسرائيلي, وهنا يجد الروس أنفسهم في موقع صعب (استبعادهم من المنطقة ومن عملية التفاوض, ومن ثم فهم لم يعترضوا على وجود إسرائيل ولم ينكروا عليها حقها في الوجود لذلك لم يزودوا العرب بالسلاح إلا بما يحقق لهم الصمود أو لشن حرب محدودة, وأخيراً كان الدعم السوفييتي للفلسطينيين مقيداً محدوداً بطيء النمو..),لذلك فإن تراجع النفوذ السوفييتي في البلدان الرئيسة من العالم العربي كان على العموم قد ترافق مع التزايد الدراماتيكي في النفوذ السوفييتي في محيطه (أثيوبيا واليمن وأفغانستان) ومع سقوط الموقع الغربي في إيران فإن هذه العملية ترافقت مع اكتشاف أن الولايات المتحدة ستكون ولبضع سنوات معتمدة إلى حد كبير على إمدادات النفط التي تصلها من الخارج, وفي هذا الإطار الخارجي ظهرت نظرية قوس الأزمة والاتهامات بسياسة خارجية سوفييتية جديدة مغامرة في بلدان الأزمة الأربعة إيران وأفغانستان واليمن الجنوبي وأثيوبيا.‏

وهكذا ولد مفهوم قو س الأزمة في أواخر 1978 عندما استجمعت الحرب الباردة الثانية قوتها.‏

أحداث هامة جرت منذ ثلاثة عقود ولكنها لا تزال مستمرة متواصلة وإن تغير الزمان وتبدلت المواقع فالولايات المتحدة كانت ولا تزال امبراطورية همها سلب خيرات الأمم ونهب ثرواتها وإلغاء وجودها فمصالحها فوق كل اعتبار وإذا كان عنوان الكتاب السياسة السوفييتية في قوس الأزمة, فإن الحقيقة تؤكد أن السياسة الأميركية هي سبب وجود عشرات الأزمات في العالم.‏

إن هذا الكتاب سيفيد القارئ بالتأكيد في أن يناقش المعايير التي تنظر الولايات المتحدة من خلالها إلى المنطقة العربية, وفي الدور الذي قد تلعبه في الشرق الأوسط عموماً في حرب باردة جديدة قد تنشب في فترة لاحقة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية