|
شؤون سياسية ولاريب أن اسرائيل خرجت من قطاع غزة جراء رؤية مستقبل بالغ الوضوح في سوداويته بالنسبة لكيانها العنصري. وفي حمى السعي الإسرائيلي لتبرير أسباب عدم البقاء هناك تناسوا أنهم السبب لمأساة القطاع. سواء لجهة تهجير ثلثي سكانه من قراهم ومدنهم في فلسطين, أو لمصادرة مستقبله بعزله عن امتداده الفلسطيني والعربي. ويبدو أن الجبروت الإعلامي الصهيوني قد استطاع إقناع الصهاينة ومن ورائهم بمظلومية اسرائيل في قطاع غزة. وفي هذا الإطار من الإحساس استغلت اسرائيل بشكل هائل الصراع الفلسطيني الداخلي, الأمر الذي خلق لها وللنظام العالمي والإقليمي فرصة تشديد الحصار ومنع التنقل والحركة, ترفع اسرائيل كل يوم وتيرة الضغط العسكري ضد القطاع على أمل القضاء على المقاومة بأبخس الأثمان. وتنقلت الفكرة الصهيونية في هذا المجال من رفض مقايضة الأرض بالسلام إلى طرح مقايضة الأرض بالأمن. في ظل غياب وانعدام أي رادع إقليمي أو دولي يمكن للأفكار الصهيونية التي يطلقها حكام الكيان الصهيوني لمعالجة الوضع في قطاع غزة أن تظهر الحد الذي بلغته العقلية الإسرائيلية الاستعداد للقمع والحصار. ثمة في اسرائيل من بات يطالب بتفكير خارج (اللعبة) لاسترداد قدرة الردع المفقودة. وتتزايد الأصوات الداعية في اسرائيل لاستغلال تساقط الصواريخ على المستوطنات المحاذية للقطاع من أجل الاستيلاء على الأراضي غير المأهولة في شمال غزة. يبدو أن الرغبة في اجتياح القطاع أو إعادة احتلاله تخلو من المخططات الإسرائيلية الحالية, ولذلك هناك داخل الحكومات الصهيونية من يفضل احتمال وتيرة منخفضة من إطلاق الصواريخ على العودة إلى القطاع, ولكن بين هذا التفضيل والرغبة في إقناع الفلسطينيين بعدم جدوى المقاومة فاصل صغير. حيث تعبأ اسرائيل حالياً بمزيج من الحصار والضغط العسكري الجزئي. لقد شعرت القيادة الإسرائيلية بالانتفاخ نتيجة إعلان رئيس الحكومة الفلسطينية اسماعيل هنية سعيه للتوصل إلى تهدئة. وفهمت هذه القيادة الإعلام على أنه استقبال إيجابي لرسالة العنف الصهيوني ضد القطاع. مادفعها إلى التصعيد منادية بوقف غير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة. إن الموقف الإسرائيلي يحاول وبضربة واحدة أن يحقق عدة غايات متناقضة. فاسرائيل أصبحت تقول بأنها غير معنية بابرام أي اتفاقات تهدئة مع حركة حماس. وبنفس الوقت لاتريد أن تقول لحلفائها الأمريكيين: يمكن أن تساوم في ( مكافحة الإرهاب ) ولكن اسرائيل أيضاً لاتريد أن تظهر أمام جمهورها وكأنها ترفض هذا المبدأ التهدئة غير المكلفة التي تعرض عليها من قبل حماس في ظل عدم توفر حلول ناجعة لمواجهة الصواريخ الفلسطينية. من هنا جاء موقف رئيس الحكومة الصهيونية المتشنج تجاه إعلان حماس الذي ينبع من أساس أنه لايمكن لحكومته أن تجري اتصالات مع من لايقبلون بشروط الرباعية الدولية. ولكن إلى جانب هذا التشنج يؤكد مسؤولون عسكريون اسرائيليون أن الجهد الإسرائيلي في القطاع ينبع من حقيقة أن الفلسطينيين هم من يبدؤون إطلاق النار, وهذا يعني من الناحية الظاهرية أنه إذا أوقفت الفصائل الفلسطينية في القطاع إطلاق النار فإن اسرائيل من جانبها ستوقف الاغتيالات والغارات الجوية.غير أن هذه السياسات ليست سوى إدارة جارية لمعطيات الصراع في أحسن الأحوال. إن اسرائيل تعيش مفارقة كبيرة في كل ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني. إذا استمرت في عدوانها فإنها تفسح المجال لتصعيد المقاومة ضدها. لذلك نرى أن الاسم الحركي للعبة الآن هو كسب المزيد من الوقت واستغلاله للتلويح بعملية عسكرية واسعة قد لا تأتي أبداً في انتظار تطورات يصعب التكهن بها مسبقاً. ولكن اسرائيل كما تعلن جهاراً لا تريد أن تغرق في رمال غزة وبين أزمة مخيماتها مرة أخرى. |
|