تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كولومبيا: بوابة «الحديقة الخلفية»

موقع reseau voltaire
الخميس 19-11-2009م
ترجمة :دلال ابراهيم

يفهم أي شخص بسيط من الاتفاقية التكميلية الخاصة في التعاون والمساعدات التقنية في المجال الدفاعي والأمني الموقعة بين حكومة كولومبيا والولايات المتحدة أواخر الشهر المنصرم والمعلنة في الثاني من الشهر الحالي أنها تعني ضم كولومبيا إلى الولايات المتحدة.

لقد صدمت هذه الاتفاقية المنظرين والسياسيين على حد سواء وليس مناسباً ومدعاة للشرف أن نسكت الآن ونتكلم فيما بعد عن السيادة والديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي ومآثر أخرى عندما يتعلق الأمر بالتهام الامبراطورية لدولة بكل راحة تماماً كما تلتهم السحلية ذبابة، وإن الشعب الكولومبي بكافة أطيافه معني بالأمر لأنه في قلب الخطر ولم أجد عندما قرأت الاتفاقية وبحثت فيها عن مبرر مقبول ومعقول لها.‏

خمس صفحات من أصل ثماني وأربعين صفحة تألفت منها الاتفاقية مكرسة فقط لفلسفة وشرح حيثيات هذا الضم المشين الذي حول كولومبيا إلى أرض ما وراء البحار تنطلق الاتفاقية من المعاهدات الموقعة مع الولايات المتحدة في أعقاب اغتيال الزعيم التقدمي خورخي اليسار غايتان في التاسع من نيسان عام 1948 ومن إنشاء منظمة الدول الأميركية في الثلاثين من الشهر والعام نفسه والتي تمت مناقشتها من قبل وزراء الخارجية الذين اجتمعوا في العاصمة الكولومبية بوغوتا تحت خطر عصا الولايات المتحدة خلال الأيام المأساوية التي سعت خلالها حكومة الأقلية الكولومبية إلى خنق حياة هذا الزعيم وأدت إلى اشعال الكفاح المسلح في البلاد.‏

ومهما كانت الحيثيات التي استندت إليها الاتفاقية مثل اتفاقية المعونات العسكرية بين كولومبيا والولايات المتحدة التي تمت الموافقة عليها في 7 تشرين الأول عام 1974 ونصت على منح القوات العسكرية الأميركية مهمات برية وبحرية وجوية فوق أراضيها ومثل اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بحظر الاتجار غير المشروع بالمخدرات لعام 1988 وكذلك اتفاقية الأمم المتحدة ضد الجريمة المنظمة عبر الأمم لعام 2000 أو قرار مجلس الأمن رقم 1373 لعام 2001 وميثاق الديمقراطية بين الأميركيين وسياسة الدفاع والأمن الديمقراطي واتفاقيات أخرى أشارت إليها الاتفاقية المذكورة أعلاه فإنها لا تبرر تحويل دولة مساحتها 1141848 كم2 تقع في قلب أمريكا الجنوبية إلى قاعدة عسكرية أميركية وتعادل مساحة كولومبيا مساحة ولاية تكساس بأكثر من 16 مرة وولاية تكساس هي الولاية الثانية من حيث اتساع مساحتها في الولايات المتحدة، وقد تم اقتطاعها عن المكسيك ومن ثم حولوها إلى قاعدة ينطلقون منها لقضم المزيد من الأراضي المكسيكية بالنار والدم.‏

ومنذ تسعة وخمسين عاماً استغلت الولايات المتحدة الشعب الكولومبي من أجل ارسال شبانهم إلى أقاصي آسيا لخوض الحرب إلى جانب قوات اليانكي (الأميركية) ضد الشعب الصيني والكوري عام 1950والان ترغب الامبراطورية الاميركية ارسالهم ايضا للقتال ضد اخوانهم في فنزويلا والاكوادور والشعوب البوليفارية الاخرى في منظمة (ALBA) من اجل سحق الثورة الفنزويلية، كما سعوا سابقا ضد الثورة الكوبية في نيسان من عام 1961. اذ وخلال شهر ونصف الشهر قبل غزو كوبا، نشرت حكومة اليانكي وسلحت واستخدمت زمراً مناهضة للثورة في اسكامباري. كما تستخدم الآن العصابات الكولومبية ضد فنزويلا.‏

وخلال هجوم القوات الاميركية على منطقة بلاياجيرون ، كانت الطائرات الاميركية (B-26) التي يقودها مرتزقة، تنطلق في عملياتها من الاراضي النيكاراغوية، وكان عتاد المعركة ينقل الى مناطق العمليات على متن حاملات طائرات . وكان يرافق الغزاة، من اصل كوبي، سفن حربية وقوات المارينز الاميركية. والان سوف تتمركز فرقهم، وعتادهم الحربي في كولومبيا، ويهددون ليس فقط فنزويلا، وانما ايضا كافة الدول الاميركية الوسطى اللاتينية.‏

ومن السخرية التأكيد ان هذه الاتفاقية الشائنة ضرورية لمكافحة تجارة المخدرات والارهاب الدولي . لقد اثبتت كوبا انها لاتحتاج الى قوات اجنبية من اجل اجتثاث زراعة الحشيش والاتجار بالمخدرات وحفظ النظام الداخلي فيها، رغم ان الولايات المتحدة الدولة الاقوى في العالم، عملت على نشر وتمويل وتسليح الاعمال الارهابية ضد الثورة الكوبية في غضون السنين الطويلة الماضية.‏

ان السلام والامن القومي لكل بلد هو شأن داخلي واساسي لكل دولة.‏

يواجه السياسيون في القارة الاميركية اللاتينية والان ، مسألة حساسة، والواجب يملي عليهم توضيح وجهات نظرهم حول هذا الاتفاق الاذعاني. انني اتفهم ان الاحداث العصيبة التي تشهدها الهندوراس تشغل بال وسائل الاعلام ووزراء الخارجية في قارتنا. ولكن المسألة الاخطر والاساسية تجري فصولها حاليا في كولومبيا، ولايمكن ان تمر تلك المسألة دون ان تلفت انظار حكومات البلدان الاميركية اللاتينية.‏

لا أشك في ردود فعل الشعوب الايجابية. انهم يستشعرون بالخنجر المغروز في اعماق مشاعرهم. وخاصة الشعب الكولومبي، والذي لاريب، انه سيعارضها، ولن يستكين الى هكذا عار!..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية