تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حقنة «فورت هود» للمكارثية الأميركية الجديدة

نوفوستي
الخميس 19-11-2009م
ترجمة: د. ابراهيم زعير

استيقظت الولايات المتحدة على هول مجزرة قاعدة «فورت هود» في ولاية تكساس وعندئذ أدركت أميركا أنها تعاني من مرض ما، يمكن أن يعاني منه أي بلد يشن حروباً عبثية متعددة الجبهات وأخطرها الحرب في العراق وأفغانستان وكذلك الحرب ضد الإرهاب،

ومثل هذه الحروب محكوم على من يخوضها بأزمات نفسية تصيب ليس الجنود والضباط المشاركين فيها دون قناعة، وإنما أيضاً المواطنين العاديين الذين تعبوا من مشاهد نعوش أبنائهم القادمة من ساحة القتال البعيدة، والمجزرة التي حدثت في الخامس من الشهر الحالي في أكبر قاعدة عسكرية أميركية التي تحمل اسم جنرال الحرب الأهلية جون بيل هود، الذي قاد القوات الكونفدرالية الجنوبية، ليست سوى مظهر لهذا المرض المزمن الذي بدأ يتجذر منذ الحرب الفيتنامية في منتصف القرن الماضي، ورغم ذلك فقد وجهت الدعوة من قبل الرئيس أوباما لعقد اجتماع موسع لمجلس الأمن القومي الأميركي للنظر في الاستراتيجية الأميركية الجديدة في أفغانستان وباكستان، والتي تناقش مسألة إرسال 40 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان أو الاكتفاء بـ 20 ألفاً، وهل هذا العدد كافٍ لمواجهة حركة طالبان التي لديها قواعد كبيرة في باكستان وأفغانستان، وحضر الاجتماع الأعضاء الأساسيون في المجلس العسكري ووزيرة الخارجية ووزير الدفاع وممثلو أجهزة الاستخبارات وقادة الجيوش في أفغانستان والعراق والسفراء.‏

عنوان واضح لهذه الاستراتيجية ولكنه قاتل في مضمونه، والمفارقة أن أوباما الذي حصل على جائزة نوبل «للسلام» يعقد اجتماعاً للمجلس العسكري لتصعيد الحرب، فهل هناك تناقض أكبر من ذلك؟ وهل بالإمكان أن يتحدث المرء عن صحة الأمة التي تشن حربين قاتلتين ويحصل رئيسها على جائزة نوبل للسلام؟.‏

يشمل جدول أعمال الاجتماع القضية العراقية والعرقية، وهاتان القضيتان تمثلان معضلة معقدة بالنسبة للولايات المتحدة، التي لاتحرز أي تقدم في هاتين الجبهتين، وربما لن تحقق النجاح حتى ولو أضافت أعداداً جديدة لمقاتليها في ساحات المعارك الميدانية.‏

لقد أرغم أوباما على تعديل برنامجه العاشر من تشرين الأول بسبب ماحدث في قاعدة «فورت هود» بعد أن كان من المقرر أن يلقي كلمة في مؤتمر الاتحادات اليهودية في أميركا الشمالية، ولكنه اتجه إلى تكساس لحضور قداس الجنود الضحايا الذين سقطوا على يد الرائد في الجيش الأميركي نضال حسن، عدا الثلاثين جريحاً، لتصبح هذه المجزرة هي الأكبر في تاريخ القواعد العسكرية الأميركية.‏

لقد وجهت اتهامات إلى أوباما بأنه تأخر في الذهاب إلى تكساس لتقديم العزاء لأسر الضحايا وإدلاء تصريحات بشأن الفاجعة، وخاصة أن الرئيس السابق بوش الابن المقيم بالقرب من القاعدة- قام بزيارة العزاء في اليوم الثاني للحادث، ولكن أوباما لم يجد الوقت لذلك، ما أثار استياء الجيش، لذلك فقد اتخذ البيت الأبيض قراراً أن يذهب الرئيس إلى ولاية تكساس وليس إلى مؤتمر الاتحادات اليهودية، لم يكن مناسباً أن يلقي الرئيس خطبة في مؤتمر يهودي من وجهة نظر أدبيات السياسة، فمنفذ العملية هو مسلم أميركي والمشاركة في مؤتمر الاتحادات اليهودية ستكون غير مفهومة وستبدو كدعم غير مباشر «لإسرائيل»، التي لم تترك أي مجال إلا للغضب عليها من العالم الإسلامي، وهذا أحد الأسباب التي يتخذ فيه العالم الإسلامي موقفاً مضاداً للولايات المتحدة.‏

لقد وجد أوباما نفسه في وضع صعب جداً، شأنه شأن الولايات المتحدة ككل، ولاسيما أن الكثير من الجنود العائدين من الجبهتين الأفغانية والعراقية يعانون من أزمات نفسية خطيرة، ويكفي القول إن الإحصاءات الصادرة عن علماء النفس الأميركيين العسكريين تشير إلى أن 15٪ من الأميركيين العائدين من العراق يعانون من التوتر العصبي المفرط وقد تم تسجيل أكثر من 145 حالة انتحار في القوات البرية في العام الماضي، إضافة إلى 41 حالة في مشاة البحرية.‏

وهكذا فقد ارتفع معدل الانتحار نحو 9.8 حالات من كل 100 ألف جندي في عام 2002 (أي بعد دخول القوات الأميركية إلى أفغانستان وقبل الحرب على العراق) وارتفع هذا المؤشر إلى 20،2 حالة عن كل 100 ألف جندي بعد دخول العراق واحتلاله، ليتجاوز نسبة حالات الانتحار بين المدنيين لأول مرة منذ الحرب في فيتنام، إنها أعراض مثيرة للقلق.‏

وجوهر المشكلة يكمن في أن نضال حسن لم يذهب إلى العراق أو أفغانستان بل كان من المقرر فقط إرساله إلى كابل أوبغداد، ويقول أطباء نفسيون عسكريون إن نضال اشتكى في الآونة الأخيرة من أن زملاءه يسخرون من الدين الإسلامي، ولم يرغب في الذهاب إلى أي من الدولتين، حيث يُرغم على قتل إخوانه من المسلمين، ويقول قائده إنه كان يردد قبل فتح النار على العسكريين في قاعدة «فورت هود» «الله الأكبر».‏

ولكن لم يثبت ذلك جميع المشاهدين الذين كانوا بالقرب منه أثناء الحادث، وتروج الدعاية الآن متخذة طابعاً قومياً ودينياً، وتشير الجاليات العربية في أميركا إلى خطر ظهور نوع جديد من المكارثية ولكنها «معادية للإسلام والمسلمين» هذه المرة، ربما لن يصل الأمر إلى هذا الحد، و لكن بدأ «البنتاغون» يستعد لأعمال التفتيش في القوات الجوية والجيش والأسطول البحري الحربي ومشاة البحرية وقوات الحرس الوطني، وذلك للتأكد من الصحة النفسية للجنود.‏

وتشير الإحصاءات الأخيرة إلى وجود 3526 مسلماً فقط يؤدون الخدمة في الجيش الأميركي، ربما لن تكون هناك مكارثية على المستوى الرسمي ولكنها قد تجد لنفسها مكاناً على الأرجح في الحياة اليومية، ورغم أن الولايات المتحدة تضم الكثير من القوميات والأديان والتي تبدو مندمجة في المجتمع إلا أن ذلك ليس إلا من حيث الشكل الخارجي ولكن في الداخل تبقى هذه المجموعات منعزلة بعض الشيء، وخاصة المسلمين، إن الولايات المتحدة لديها قدرة فائقة- ومنذ عقود- على تعميم الصور السلبية، والآن يحصد المجتمع الأميركي حصيلة دموية نتيجة ذلك، وقوع حادثة «فورت هود» ليس أمراً غريباً، وإنما الغريب أن ذلك لم يحدث من قبل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية