تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المتلعثمون

معاً على الطريق
الخميس19 -11-2009م
عبد النبي حجازي

كنت أتابع مقالات(عدنان بن ذريل) النقدية ومؤلفاته منذ الستينات وأقف منها موقف التقدير والاحترام ولم أكن أعرف أنه سوري بسبب غرابة الاسم، لكن مالفت نظري اهتمامه بالكتّاب السوريين ،

وعندما دخلت(عالم الأدب) منذ أواخر الستينات كنت أحلم أن يكتب عني ففوجئت به يتناول بعض أعمالي الروائية، يضيىء مالم أكن أراه فيها من سلب وإيجاب، لايهاجم ولايدافع ولايتفاصح ولا يستهل باستعراض ثقافته . وذات يوم دخل مكتبي في مقر اتحاد الكتاب العرب رجل خمسيني مشعث الشعر وعلى وجهه الأبيض الشاحب خيال ابتسامة مجاملة دمشقية أبوية، يرتدي ثياباً شبه مهلهلة ويحمل(كيساً) عادياً تظن فيه خبزاً أو تمويناً وإذا به ملآن كتباً وأوراقاً، ففوجئت أنه عدنان بن ذريل ، كاتب واسع الثقافة في مجالات الفكر والأدب واللغة والموسيقا والإيقاعات والرقص التقليدي، ولايتعاطى الكلام في السياسة ولا يهتم بها ، لكنك تراه وهو يحدّثك مضطرباً ، تكلمه من الشمال فيقفز بك إلى الجنوب وتكلمه من الشرق فيقفز بك إلى الغرب حتى يخّيل إليك أن فيه مسّاً من جنون العبقرية ولقد أطلق عليه بعضهم (مجنون شفهي عاقل تحريري).‏

في ثمانينات القرن الماضي زارني في مقر الاتحاد الزميل محمد مهدي نصر الله وكان يعد برنامجاً أدبياً ناقداً اسمه(ساعة الكلمة تدق) للتلفزيون السعودي ومعه أسماء بعض الكتاب يريد إجراء مقابلات معهم، فعرضت عليه أن يجري مقابلة مع عدنان بن ذريل آخر الكتاب الموسوعيين فابتهج لكني حذرته من وعورة الحديث معه. وأجرى (نصر الله) المقابلة واستطاع أن يستثمرها ببراعته ، وقال لي إنها من أهم المقابلات التي أجراها ، وقال مبتسماً لكن عدنان ختمها بعفويته قائلاً: شكراً لك وللملك ابن سعود - هكذا حرفياً-.‏

في جلسة أنس مع الإعلامي المصري المعروف أمين بسيوني عندما كان رئيساً لاتحاد الإذاعة والتلفزيون في التسعينيات، وفي حديث عن الذكريات وقد كان مذيعاً أيام الوحدة وأوفد إلى دمشق في إطار تبادل المذيعين بين الإقليمين الشمالي والجنوبي كما أوفد المذيع السوري عادل خياطة إلى القاهرة ، قال أمين عندما استقبل مدير إذاعة صوت العرب عادل وجلس إليه فوجئ أنه يتلعثم بالكلام فقال غاضباً: (إيه ده،إيه ده) وعندما استمع إليه وهو يقرأ نشرة الأخبار أصيب بالذهول أمام طلاقة صوته وفخامته، وبثقته بنفسه ، ولقد كان عادل خياطة من أوائل المذيعين العرب وخاصة في قراءة نشرة الأخبار والتعليقات السياسية.‏

أبرز ماترجم إلي العربية في الستينيات مسرحيتان(بينيلوبي) والدائرة) للكاتب الروائي والمسرحي الإنكليزي سومرست موم(1874 - 1965) وسيرته الذاتية( عصارة الأيام) وقد نالت شهرة واسعة ، ومما يقول في مذكراته إن الكاتب المسرحي هو خير من يخرج أعماله لكن مايعوقه أنه أعرج ويتلعثم بكلامه فلا يستطيع تدريب الممثلين.‏

بعضهم عندما يهتاجون قليلاً أو كثيراً يفقدون السيطرة على أنفسهم وترتجف شفاههم ويتلعثمون فيختلط عليك الكلام ولايبقى لك إلا أن ترى رجيف الشفتين. a nhijazi@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية