|
ثقافة تراب الوطن: \من ذراته تنصب الأعمدة كي لا تميد السقوف علينا، فالألف يتوسطها واقفاً شامخاً يشحذ هممنا، كي نقطف الغار إدراكاً منه أننا نستحقه وأهل له، فقاسيون الأغر استمد صلابته من تلك الذرات التي استهانت بها الريح العاتية، وذاك الإعصار الهائج جاعلاً للتحدي نموذجاً، فالشيخ الكبير أرثى لقاسيون حجارةً من صوان... ومتن قواعده... وأسس نهجه... ووسع بصيرته بالحكمة والتروي والتأني مدركاً أن صلابته سوف تجعل السيوف مشرعةً بوجه الإعصار القادم، غير آبه بحقد الصحراء وعطش الجمال. فقاسيون استمد اسمه من قساوة ذراته إذا ما غضبت في وجه قاطفي الياسمين وغدر الأخوة قبل الأعداء، فترابه الغضة جبلت بعرق آبائنا وأجدادنا... يحنو علينا.. ترابه... ينادينا... يمدنا... قوةً... وحناناً، تتطاير ذراته تارةً مشكلةً زوبعةً في وجه الأعداء، وتارةً أخرى هواءً عليلاً وكأنه يغازل ضفائر صبية مجدولة تحيط بعنقها... تحرسها... خوفاً عليها. الوطن: تلك الكلمة الحنونة التي تفيض دمعاً وفرحاً كلما ابتعدنا ميلاً عنه تعانقه وأنت في حضنه، فتذرف الدمعة تلو الدمعة، فكيف وأنت بعيد عنه، يقف خائفاً علينا جاثياً أمامنا، وراءنا يمسك بنا ألا نقع... ألا ننحني... ألا نصاب بمكروه... يحاول أن يسمو بنا... يغرينا بزهره.... بمائه... بخضرته... بحنانه.... بألوانه تجلس حروفه قرب بعضها بعضاً كي نستريح.. كي ننام... نلعب... ندرس... نعانق السماء... نقطف النجوم... وهو يبتسم رغم ثقلنا وبشاعتنا وخيانتنا لذراته وعدم وفائنا، فنحرق خضرته ونعكر ماءه بدمائنا... بأفكارنا... ويسامحنا... بقلبه... وعقله. فالنون: تكاد أن تمسكنا بألا نخطئ أو نضل الطريق هي ذرات ونحن عقول مجمدة غائبة عن ملكة التفكير والتحليل والتركيب لا نربط الماضي بالحاضر ولا نقرأ الواقع ولا نستقرئ المستقبل، تقف في وجه الرياح العاتية تطير في وجه كل ريح دامية. تحزن علينا بين الحين والآخر تجف... تتهاوى... تصرخ من روائحنا... تئن من جهلنا وغفلتنا.... ولا نسمع... تسيجنا بالورد... ونسيجها بالأشواك.... تذرف عيناها ولا نمسحها ما أن تقع ذرة تراب على ثيابنا إلا ونتأفف منها ونسارع إلى إزالتها من دون أن نفكر بماهيتها ومعناها، فهي تتطاير ظناً منها أنها تذكرنا بكينونتنا بحقيقتنا بأننا نحن وهي ذرات تراب... جبلنا منها... ونعود إليها. سنون مرت ولم نقدر تلك الذرات... ولم نفهم معنى التراب... بكل ألوانه... نلعب به.... نتسلى... ندوس عليه.... من دون شفقة... أو رحمة.... غير مدركين مدى ثقلنا عليه من حيث أتعبناه.... نبني بيوتنا منه وعليه.... نأكل من زرعه.... نلبس منه.... ننام بين طياته.... نشرب من بين صخوره.... نتنسم هواءه ببرده وحره. نخالف أنظمته فيسامحنا.... نهبش وجهه.... نبعثر ذراته... من دون أن نسعى إلى جمعها... أو نسأل أين مصيرها. تراب الوطن: أنت الحب أم الحب أنت.... تنبت الأرض كل عام... ونحرقها كل عام... نعطيك حباً تعطينا زهراً... نعطيك أعواداً تعطينا ثمراً... نسقيك دماً تسقينا ماءً سلسبيلاً. تراب أحمر... تراب أسود... لكن... قلبك أبيض... نتثاقل عليك بحياتنا... وتستقبلنا جيفة بمماتنا... وتنبت الورد... والزهر... والياسمين... والأقحوان... فوق قبورنا.... نبكي... تمسح دموعنا... نتباعد فتجمعنا.... نقبلك يومياً... تقبلنا ما بعد العمر. تراب الوطن: تراب يضم رفات الأجداد والشهداء والأمهات بين ثناياه.... يحنو عليهم كي لا تتبعثر رفاتهم... نحن نقسو... وهو يحنو... ننام.... وهو يصحو.... نشوه وجههه... نبيعه بسعرٍ بخسٍ.... وسرعان ما ينسى ويزهر ربيعاً... وحباً... كم أنت غالٍ يا تراب الوطن حتى كرمت بعزة الله جل وعلا عندما خلق آدم من طينتك وعمر الأرض بك.... التراب نحن... ونحن التراب.... فكيف نخونك وأنت أديم أجدادنا... كيف نبعثر ذراتك الغالية... أنت تصمت... تحزن يقال إنك أخرس.... رغم أنك تصنع أبهى الألوان... وأطيب الثمار... وأعذب المياه... ونحن زودنا بالعقل والتحليل والتركيب والبصيرة... ورغم ذلك أغلقنا كل المفاتيح وتركنا غريزة الوحوش تأكل تراب الوطن.. حماك الله يا وطن. |
|