|
رسم بالكلمات ومنهم (عمران عزالدين) كقاصٍ يعمل على المستوى الفني والتقني في الحدث وتدويره قصصيا, ملغما إياه- مفككاً لتفاصيله وحثه الدؤوب على برمجة الحياة بدرامية لافتة, مستندا على اليومي والغرائبي في آن القصة القصيرة جداً..شفافة بيضاء، دون أقنعة أو مراهم لشدّ البشرة أو تليين المفاصل هكذا وصف الناقد المغربي حسن البقالي تجربة القصّ عند عزالدين, فهو اشتغال بدلالات معرفية موغلة في الخصوصية, والتقاط الغصّة بفنيات ال ق.ق.ج والتي أثبتت يوما إثر آخر تفرده مع آخرين في ولادتها, وباعتبار اللغة الحامل- الخازن- للنص, فلغته ساخرة لاذعة مريرة، وجمله دالّة متشظّية بحسب الناقد هيثم حسين. للوقوف أكثر على تجربته كان هذا البوح: * حدثنا عن هوية عمران الإبداعية؟ ما الذي يميزه عن مجايليه عمريا ؟ ** كاتب يطمح على نحوٍ ما لإماطة اللثام عن واقع ثقافي واجتماعي مرير، يطمح أن يكون كزاهد أو ناسك أو متصوف، ليستكنه الدرر واللآلئ، وليستنطق الأسرار من خلال ما يرتكبه من كتابات، فيسعى جاهداً للارتقاء بالحرف إلى أقصى درجة من درجات كمال العملية الإبداعية، ويطمح فوق ذلك إلى إعادة الاعتبار للمُثل السامية ( الحب الحق الخير الجَمَال.) بعد أن طال هذه المثل، ولردح طويل من الزمن، الصدأ والكلس على نحوٍ مخيف، ناهيك عن التمييع والتسطيح والاستخفاف والاستهتار.... وهو في دأبه هذا، يسعى للمّ شمل عائلة العملية الإبداعية بمختلف شركائها، لتغدو الكلمة أكثر قيمة وفناً وموقفاً وحياة. في ما يتعلق بالشق الآخر من سؤالك، فليس هناك حقيقة ما يميزني عن الآخرين، الأمر ربّما له علاقة بالأدوات الكتابية، وكيفية تطويعها، سعياً للبصمة المتفردة، أو الأسلوب الخاص جداً. ألم يقل بيفون الأسلوب هو الرجل.؟ * التهافت على خلع رداء القصة, ولبس الرواية لدى غالبية التجارب القصصية السورية- بحسب الروائي خالد خليفة /انفجار في كتابة الرواية العربية/ كيف تراه؟ **نحن نختلق المآزق، ثمّ نبحث بعد ذلك عن الحلول لتخطي وتلافي أو تجاوز تلك المآزق.! مأزق للقصة، وآخر للشعر، وثالث للمسرح. ثمّ إن التهافت على الرواية الذي تتحدث عنه لا يقتصر في الانصراف عن كتابة القصة فقط، هذه نظرة خاطئة، ينبغي عدم تداولها بأحكام سطحية كهذه، فهو يشمل جميع الفنون والأجناس الأدبية الأخرى، والمتعارف على تصنيفها حتى اليوم. هذا عصر الرواية كما يقولون، سابقاً كان الشعر هو ديوان العرب، والمقياس الأوحد ربّما لتشرب وكتابة الأدب. إنه التغيير المرحلي الذي لا بد منه، فدوام الحال من المحال، وأُسّ هذا التغيير، شرطه الأوحد، أن تشيخ بعض الفنون، تُهَمش وتقصى، لتصل إلى الذروة فنون أخرى. للأسف.. هذا هو حال ثقافتنا العصرية، الإعلام له دور، وسطوة كبيرة، ثمّ إن الأدلجة والمكاسب (المافيوية) في الساحة الأدبية لا تقلان أهمية، لما تمتلكانه من عناصر شد وجذب، في تخندق الكُتّاب، واستنفارهم، للظفر بجائزة ما، باتت وللأسف تشكل هاجساً فاق هاجس الإبداع لديهم، ثمّ ماذا يعني أن نكتب وفق شروطٍ إملائية معينة.؟ إنها المأساة، يذكرني ذلك بمواضيع إنشائية، عندما كان يُطلب منا، ونحن في الصفوف الدراسية الأولى، أن نكتب عن الربيع، الأم، أو النصر في حرب ما، انطلاقاً من وجهة نظر أستاذ بنظارة طبية سميكة يعلوها الغبار، وجهة نظره تلك التي كانت تنحصر في إملاء بعض العناصر والشروط علينا، للكتابة على أساس تلك الشروط والعناصر.! مما لا شك فيه، أن هذا العصر هو عصر للرواية، فالضجة المصحوبة، أو الأحاديث البلقاء، والسجالات البيزنطية العقيمة تؤكد ذلك، لكننا وكما يقول المثل نسمع جعجعة ولا نرى طحناً، فأنا ومن منطلق شخصي بحت لم أقرأ رواية عصرية فاقت في معمارها الروائي، وأسلوبها المُحكم المُتماسك، ما كتبه حنا مينه مثلاً في الشراع والعاصفة، أو حيدر حيدر في وليمة لأعشاب البحر، وكذلك عبدالرحمن منيف في أرض السواد. فمتى سنقرأ روايات من هذا النوع، وبتلك الجودة والفرادة.؟ ربّما في العقد القادم مثلاً، عندما يكون العصر في ذلك الوقت عصراً للقصة القصيرة أو قصيدة النثر مثلاً.! الأمر لا علاقة له بالتجريب، أو بتحطيم الأصنام، والبكاء على الأطلال، إنها ريادة / لعنة الآباء، الذين سبقونا وعلى ما يبدو حتى إلى التجريب من خلال رؤيتهم الاستشرافية. إنه عصر تداخل الفنون والأجناس الأدبية مع بعضها بعضاً، والهالة الروائية بدعة إعلامية ومنابرية، تثيرها جهات ومؤسسات اعتبارية لغايات وأهداف أبعد ما تكون عن الأدبية.! لكن الموهبة والمثابرة والجهد الإبداعي الدؤوب، كفيل بمنتج عصري نتلقفه، ويشار له بالبنان. * يموتون وتبقى أصوات تهمس إصدارك الأول كتب عنه الكثير سوريا وعربيا؟ ما الذي أضافه -عرض ونقد المجموعة لتجربتك؟ ** أراك تتحدث عن النقد.! أين النقد.؟! يحضرني هنا ما قاله ذات مناسبة أديبنا الكبير عبد السلام العجيلي الذي قال للنقاد: اشتمونا... ولكن اكتبوا عن أعمالنا.! لقد رحل منذ سنتين، فهل ستتحقق وصيته يوماً.؟ وهل سينصف أدب العجيلي مثلاً.؟ أنا أشك في ذلك.! لذا، أقولها وبكل فخر، القارئ هو ناقدي الأول والأخير، أو كما قال شوقي: أيها الناس أنتم الشعراء / بكم الأرض والسماء سواء. نعم، لقد كُتِبَ عن مجموعتي كثير من المقالات الذاتية، ناهيك عن الموغلة في الانطباعية، كما كُتِبَت عنها دراسات نقدية على نحو ما. لاقت مجموعتي كما أرى حفاوة عربية منقطعة النظير، فاقت بكلّ المقاييس الحفاوة السورية، وهذا أمر يدعو للارتياب والتساؤل، أربع مقالات سورية، وسبعة عشر مقالة عربية، من منبع النقد إلى مصبه، حتى لحظة كتابة هذه الكلمات، فتأمل الفرق.! للأسف، كانت المقالات الذاتية والانطباعية بأقلام سورية، وكأن المؤلف ما زال هو الإمبراطور الأوحد عندنا، وعمل النقد ليس إلا تعضيداً لعمل المؤلف كما ذهب إلى ذلك رولان بارتس ولا أخفي عنك وعن القراء، أن من كتب عني هم أصدقاء بالدرجة الأولى والأخيرة، وقد كتبوا ما كتبوه تحت باب المجاملة لا أكثر ولا أقل. فيما كانت الدراسات النقدية تفكيكية تحليلية وتأويلية من نصيب دول عربية، (المغرب الأردن العراق الجزائر تونس مصر لبنان. ) * كتبت القصة والنقد الصحفي- فمن يخدم منْ- الإعلام أم الإبداع-؟ **الإبداع هو الفيصل، وكل في مجال تخصصه مبدع، فالقاص مبدع، والناقد مبدع، والشاعر مبدع، والروائي مبدع، وهكذا دواليك. أنا قاص، هكذا أرى على الأقل، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا، وما أكتبه من مقالات، لا تتعدى الانطباعات الذاتية، أو عملية إحماء بالمفهوم الرياضي، كتمرين ربّما على الكتابة الإبداعية، للولوج إلى آفاقها، أو فك طلاسمها ودهاليزها على حدٍّ سواء، وسبر أغوارها إن أمكن، وأنا بكامل لياقتي الذهنية والسردية. أما من يخدم من، فاعذرني، لأنني لم أستسغ تماماً ما جاء في السؤال، فأنا شخصياً لا أؤمن بالأدب كسلعة تجارية، لتزدهر من ثم يوماً، وتنتكس في يوم آخر. الأدب أنبل وأنزه وأمثل من ذلك بكثير، هو الإنصات التام لموسيقى الوجع والحب والورد والحزن والألم، وأنت مسترخ تماماً، ومنصرف فوق ذلك عن حسابات الربح والخسارة. * كغيرك تحاول أن تسير على ألغام الرقابة بالرمز والإيحاء والتغييم؟ **لِمَ لا..؟ ما الضير في ذلك.؟! تأمل معي قليلاً... حتى سؤالك فيه قفز خارق على ألغام الرقابة، لما يحفل به من تقية ورمز وإيحاء.! ثمّ إن الألغام التي ذكرتها فنون أدبية بحد ذاتها، تتطلب كاتباً مبدعاً، يجيد الحيطة والحذر، ليقتنص بالتالي ما أمكنه إلى ذلك من سبيل أجمل اللحظات الإبداعية والشعورية الحالمة، من هامش الحرية المتاح. * الحديث عن تصدير المنتج الثقافي الشاب السوري كيف ترى سبل تفعيله وزيادة مردوده؟ **هذا أمر تحدّده الجودة والفرادة مجتمعتين، ناهيك عن تحقيق ذلك المنتج لشروط العملية الإبداعية، بدءاً من فنية عالية، مروراً بعوالم أدبية لامألوفة، وانتهاء وهو الأهم طبعاً بكاتب لا تعنيه في شيءٍ، نظريات قتل الأب أو الأخ الأكبر، أو انبعاث وانقراض فنون أدبية على حساب أخرى، لتشذيب خطّه أو مساره الإبداعي من الميكروبات والطحالب والسبيروجيرا. * مستويات التلقي والقراءة المختلفة كيف وجدت أثرها في مطبوعك البكر؟ كل كتاب قرأته، في أيّة مرحلة كانت، تأثير تحريضي على ما كتبت حتى الآن، لكن ما أكتبه، لا بصمة عليه سوى بصمتي الخاصة، والخاصة جداً، في الأسلوب، إضافة للغة، فابتداع عوالم خصبة وبكر، وكذلك الأمر بالنسبة للانتقالات الفنية بين جملة وأخرى. سيرة ذاتية: القاصّ عمران عزالدين أحمد من مواليد مدينة الحسكة، يكتب القصّة القصيرة والقصيرة جدّا إضافة إلى اهتمامه بالجانب النقديّ.. وقد نال على بعض من قصصه جوائز أدبيّة منها: جائزة الإبداع في جوائز ناجي نعمان الأدبيّة 2009، جائزة الشارقة 2009. |
|