|
شؤون سياسية والتي سعت خلالها تطمين المخاوف في منطقة القوقاز والبحر الأسود وشرق أوروبا بقوة الدبلوماسية الأمريكية، هذه القوة التي شهدت باعتراف الأمريكيين أنفسهم تراجعاً خلال العامين الماضيين, الأمر الذي أدى إلى تزايد المخاوف الأمريكية إزاء احتمالات أن تتقدم موسكو لملء هذا الفراغ في تلك المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية لمشروع الهيمنة الأمريكية عليها وعلى بقية مناطق العالم،وبالتالي تطويق روسيا في عقر دارها وما يتبعها لتشديد العقوبات والضغوطات على ايران أيضاً. فلاشك أن دول منطقة القوفاز والبحر الأسود كان لها خلال الأعوام القليلة الماضية تحركات على صعيد سياساتها الخارجية كان تقييمها في القاموس الأمريكي على أنها سياسات لا تتوافق مع الرؤية الامريكية كسعي جورجيا المتزايد باتجاه تعزيز علاقاتها مع تركيا وايران، في وقت وجد الجورجيون أنفسهم عراة ومهملين من الدعم الامريكي الذين وعدتهم به واشنطن، ولاسيما منذ مواجهتهم المعروفة مع موسكو في عام 2008 ما أدى إلى انفصال إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وهو ما أحبط آمالهم من تراجع الوعود الامريكية لهم، كذلك الحال لتركيا وسعيها المتزايد باتجاه تعزيز علاقاتها مع كل من سورية وايران في إطار مؤشر بالغ الخطورة بالنسبة لمستقبل الاستراتيجية الامريكية في مناطق الشرق الأوسط والشرق الأدنى والقوقاز ومنطقة البحر الأسود. على هذه المخاوف حرصت واشنطن من جولة الوزيرة كلينتون إلى العمل على استعادة النفوذ الامريكي في تلك المناطق والتأكيد على الدعم الامريكي الجديد لجورجيا التي يود الأمريكيون تحويلها إلى إسرائيل القوقاز كي يكون منها الانطلاق لتضييق الخناق على تركيا أردوغان، وردع خطواتها المتزايدة باتجاه عمقها الاسلامي والعربي والآسيوي من خلال توجيه رسالة أمريكية لأنقرة بعزمها الاستغناء عن قواعدها في الأراضي التركية والاستعاضة عنها في جورجيا. إن من المؤكد أن للدبلوماسية الأمريكية جولات أخرى في تلك المناطق /البحر الأسود ومنطقة القوقاز/ طالما أن هذه المناطق تعتبر ذات أهمية حيوية فائقة لمشروع الهيمنة الأمريكية ولمشروع النفوذ الاسرائيلي أيضاً وتحديداً لما يتعلق بنظرية أمن الحدود الشمالية الاسرائيلية والتي تمتد من خط الحدود مع سورية ولبنان إلى جمهورية كازاخستان في أقصى شمال منطقة آسيا الوسطى، وطبقاً لذلك جاءت نداءات بل طلبات الوزيرة كلينتون لموسكو ومن جورجيا تحديداً خلال جولتها الأخيرة بضرورة سحب القواعد الروسية العسكرية الروسية من إقليمي اوسيتيا الجنوبية وابخازيا اللذين أعلنا الانفصال عن جورجيا، زد على ذلك مطالبة الوزيرة كلينتون موسكو بضرورة إلغاء اعترافها باستقلال هذين الاقليمين عن جورجيا واحتراماً لسيادتها على حد تعبير الوزيرة كلينتون. كذلك الأمر في أرمينيا حيث بحثت مع قادتها ملف أقليم ناغورني كراباخ ووجود القوات الأرمينية في الأراضي الأذربيجانية وعقدها أيضاً لقاءات مع زعماء منظمات المجتمع المدني الأرميني المعارضة للرئيس الأرميني الحالي سركيسيان، وكذلك إطلاقها أي الوزيرة كلينتون التصريحات التي تطالب تركيا بضرورة تطبيع علاقاتها مع أرمينيا دون أي قيد أو شرط وماتبين فيما بعد بتعاطف أمريكي واضح مع خصوم ومعارضي الرئيس الأرميني سركيسيان الحليف الرئيسي لموسكو في منطقة القوقاز الجنوبي. أما في أذربيجان فقد سعت الوزيرة كلينتون لتخفيض توترات بلادها مع باكو بسبب ضغوطات واشنطن السابقة على أذربيجان لضرورة إجرائها الاصلاحات السياسية وفقاً للمفهوم الأمريكي على غرار الضغوطات الأمريكية التي مورست على جميع الجمهوريات التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي السابق وجاءت هذه الزيارة لأذربيجان كنوع من الاسترضاء الأمريكي لها وتقديم بعض الإغراءات لباكو كي تضمن عدم تحول أذربيجان باتجاه نفس الطريق الذي انتهجته تركيا أي التقارب مع موسكو وطهران وكذلك مع سورية، ولاسيما إن محور واشنطن واسرائيل يعقد أهمية كبيرة على المزايا التي يمكن الحصول عليها في أذربيجان المجاورة لمنطقة شمال إيران فائقة الأهمية بما يساعد على تفعيل ملف تشديد العقوبات الأمريكية ضد إيران. كذلك الأمر يمتد لزيارة كلينتون لأوكرانيا التي شهدت في الآونة الأخيرة خروج ماعرف برموز الثورة البرتقالية الموالين لأمريكا من السلطة على أثر الانتخابات التي شهدتها البلاد مؤخراً وصعود قوى سياسية فيها يحبذون الالتزام بتوازن السياسة الخارجية لبلادهم بما يحقق توازن المصالح على خط كييف واشنطن وكييف موسكو . لكن الوزيرة كلينتون أرادت حسم الأمر لمصلحة بلادها بعرضها على قادة أوكرانيا انضمام بلادهم إلى حلف الناتو رغم أن البرلمان الأوكراني أقر تشريعاً قانونياً مؤخراً بعدم الانضمام إلى أي تكتل أو تحالف دولي أو أقليمي يترتب عليه تحويل أوكرانيا إلى دولة منحازة في الساحة الدولية أو الأقليمية، والحال كذلك في زيارة الوزيرة كلينتون لبولندا التي أكدت فيها التزام واشنطن القوي للوقوف إلى جانب بولندا في مواجهة أي خطر روسي محتمل ودعم الاقتصاد البولندي، وكذلك تأكيد عزم واشنطن على نشر القدرات العسكرية الصاروخية الأمريكية في الأراضي البولندية ضد ما تسميه بالخطر الروسي القائم ونشر كما هو مقرر خمسة آلاف جندي أمريكي في الأراضي البولندية وترغيب واشنطن المتكرر لإدخال بولندا في حلف الناتو رغم المعارضة الأوروبية لذلك. إذاً جولة الوزيرة كلينتون تلك هي في إطار الحراك الدبلوماسي الأمريكي الجديد في الأسواق القوقازية لشراء حلفاء جدد وللتأكيد عى مستقبل الاستراتيجية الأمريكية في مناطق الشرق الأوسط والشرق الأدنى والقوقاز وآسيا الوسطى ومنطقة البحر الأسود لجعلها مناطق نفوذ من بابها الواسع للأمريكيين وللإسرائيليين على حد سواء، وبالتالي سد الطريق أمام أي كان من هذه الدول للخروج عن الطاعة الأمريكية أو السيطرة الأمريكية أو السوق الأمريكية الاسرائيلية، وبالتالي لإحكام المزيد من الضغط وتضييق الخناق على ماتطلق عليه أمريكا تسمية محور دول الشر وهي الدول التي مازالت ترفض السيطرة الأجنبية والخنوع لها بكل فخر وشرف ومسؤولية. |
|