|
الجولان في القلب
دارنا كبيرة تضم /12/ عيلة، وكانت الحياة حلوة لا ننادي لابنة العم أو العمة بل نقول: أختي، أما سهراتنا في الشتوية فكانت مع الحكايا و القصص من كبار السن والجميع في المنزل حول موقد الحطب ونعمل بوشاراً عن طريق المنخل على النار وهو لا يشبه بوشار اليوم.. ويتباهى حسين بأنه يحفظ جدول الضرب من الواحد للعشرة وعمره ست سنوات ويقول: طريقة التعليم مختلفة عن هذا الوقت، كانت الأرقام المراد ضربها توضع على إشارة الضرب ذاتها من فوق وتحت و النتيجة تكتب على الطرف الأخير، كنت محباً لمادة الحساب وبعدها تعلمت العد من الواحد للخمسين بالانكليزي ومثلها بالفرنسي كل ذلك وأنا في الصف الأول ولكنني لم أتابع تعليمي لأن والدي كان كفيفاًَ و يعتمد علينا في العمل بالأرض وبيع الخضار و الفواكه إلى القرى المجاورة. ووسيلتنا للتنقل الدواب، ويضيف «شاهين» قائلاً: لم نكن نعرف الوقت وعن طريق النجوم «إذ اطلع الضو» أتذكر /20/ يوماً قضيتها في العمل المستمر نحوش ونبيع دون راحة وفي هذه الاثناء أتذكر أنني حضرت ثلاثة أعراس. ويقول ضاحكاً: «كنت وقتها عم دور على عروس» ونسيت تعبي من العمل و من ذكرياته وهو صغير أنه كان يحمل الميزان لوالدته و يحسب حصة الرعيان من الرزق الذي معه. أبدل بيضتين ب«أسكا» محمود حسين 52عاماً/ في الصباح يذهب إلى المدرسة التي كانت دوامين صباحي ومسائي يذهب مرتين في اليوم وبعد المدرسة يقوم بحوش الصبار والتين والجوز ويعبىءالخضار و يجهزها للبيع.. ويضيف محمود قائلاً: لم يكن لدينا مصاري، كنت أبدل بيضتين ب «اسكا» أو «مطعم» ما يعرف بالملبس والقباقيب و كانت حياتنا تقوم على المقايضة. ولا ينسى محمود منظر والدته وهي تخبز على التنور وأكثر ما يعجبه لون الرغيف وكان على الجوع يأكل الخبر و لا ينتظر الطعام حتى يجهز ويتذكر جيداً منظر اصطياد السمك «بالزليقة» وهي عبارة عن حاجز مصنوع من عيدان القصب يحجز بها الماء من الطرفين وعلى قوة النهر يحجز السمك أيضاً ويتم إخراجه بسلة التين وهذه طريقة قديمة لصيد السمك كان يرافقها نكش الأرض في النهر حتى تصبح المياه عكرة حتى لايراهم السمك. ومن الذكريات التي لا تغيب عن البال يقول محمود: أيام الحصيدة كنت أجلس على اللوح الذي تجره البقرة لدراسة القمح أو الحمص و يظل اللوح يدور و أنا جالس عليه حتى أنعس وأنام من كثرة التعب و كانت متعة ولا أجمل. حياتنا من الصباح للمساء عمل أم محمود: 75 سنة تقول: كنت أشتغل الطبخة و أنا راكبة على «الدابة» مثل تفصيص البازلياء أو تقميع الفاصوليا وعندما أصل للبيت «أرد الطبخة على النار وأرضع الولد.. وعدد الأولاد في ذلك الوقت كان أقله عشرة ومن لديه /7/ أو ثمانية أولاد يقولون عنه « مقصر» حياتنا اليومية نطلع من الصبح للمسا يوم للحطب ويوم عالسليعه أي قطف الخبيزة و الجرجير، و الهندبة والشمرة، وفي هذا اليوم لا أذهب مع زوجي للعمل في الأرض لأنني «لا ألحق» وتوصف أم محمود حملة الحطب التي كانوا يحملونها بأن سيارة سوزوكي لا تستطيع حملها، كنا نربط حزمة الحطب حملها على الظهر و ميزانها على الرأس ومن الأكلات المشهورة في الضيعة نحضرها حتى الآن من القمح المقشور أو الذرة الصفراء أكلة اسمها قمحية تحضر بالسمن ومع اللبن يصير اسمها«متبلة» وتؤكل باردة. وتتذكر أم محمود أيام العيد في الضيعة و كعك العيد و الكربوجة التي تسمى مغطوطة لأن وجهها يغطى بالحليب، وتختم حديثها بالقول: مع كل هذا التعب كنا مبسوطين و ياريت هذه الأيام تعود ثانية.. أستمع لأحاديثهم شحادة يوسف أبو خضور 65 سنة يقول: لم أكن أمشي مع الصغار بل أرافق الكبار أسمع أحاديثهم وحكاياتهم ومما سمعته قصة عن جدي الذي كان مسافراً بالأرجنتين أيام «السفر برلك» وبعد مجيئه إلى قريتنا اشترى أربعة «فدن» يعني أبقاراً مع المرابعين واشترى ،أرضاً زراعية، ويقال إن أهل القرية أحبوا أن يخرجوا معه وقالوايا أبو علي نحن معزومين لعندك، قال لهم: أهلاً وسهلاً، ولكن ما المناسبة و في هذه الأثناء يرسل أهل البلدة «الحارس» الموجود عند المختار و كان يعرف في ذلك الوقت «بالمرسال» ودعا كل أهل البلدة إلى بيت جدي ووقتها كان جدي يجلس أمام منزله وهو متكىء على عصاه نظر ورأى المنزل يغص بالناس قال لهم: خير إن شاء الله و من يدخل إلى منزلي أرحب به ووضع لهم سمناً و عسلاً وأرسل جدتي لتخبز على التنور بمساعدة جيرانها كي تستطيع أن تجهز الخبز للمدعوين الذين قالوا لجدي قرية كاملة تشبع سمناً وعسلاً والصحون وتبقى كما هي قال لهم جدي: «جميلتكم على حالكم و من يريد المزيد سوف أزيد» قالوا له طمرتنا من خيرك فقال خير الله نحيي الأرض ويتذكر «شحادة» أول عهده بالعمل عندما بدأ بتعزيل الأرض وزراعتها ويقول: كنا نزرع الصبار في الأماكن العصية على دخول «الفدن» حتى نحيي الأرض وباقي الأرض نزرعها خضاراً و أشجاراً مثمرة، ومن المشاهد العالقة حتى الآن في ذهنه يقول: أتذكر بيتي الواقع على كوع الطريق القديم كله حجر و أمامه عريشة العنب و عمود الكهرباء والتوتة التي طعمها والدي على نوعين توت أبيض وتوت أحمر وكل من يمر أمام منزلنا الواقع على تلة عالية يأكل من شجرة التوت لقد تذكرت المشهد وكأنني أعيشه الآن في هذه اللحظة ويرى شحادة أن المرأة في ذلك الزمن تختلف عنها اليوم، كانت تعمل مع الرجل بالحصاد وزراعة الأرض ولم الحطب وتعود للمنزل لتحضر متطلبات أسرتها كان العمل شاقاً و متعباً لكنها أيام جميلة لا تمحى من الذاكرة. |
|