|
كتب وظهرت آثاره المتمثلة بالأدوات الحجرية في منطقة النهر الكبير الشمالي والعاصي ، وتأكد ذلك الاستيطان بالكشف عن جزء من جمجمة للإنسان الهوموراكتوس إثباتاً لاستيطان الإنسان القديم في منطقتنا. كانت الثمرة الأولى هي الاستقرار والاستغناء عن الترحال والانتقال من أجل الطعام والشراب والمأوى وقد بنى الإنسان -لأول مرّة في التاريخ- منزلاً بجدران دائرية ، يستطيع أن يقيم به كل أيام السنة ، وتوصل إلى أن ينبت الحبوب بنفسه ، وقام بتربية الحيوانات للاستفادة من لحومها ومشتقاتها الأخرى ، وهذا ماسمّي بثورة العصر الحجري الحديث . ثم قام باختراع الكتابة ، وإقامة المدن الكبيرة ذات الأسوار من أجل حمايتها من الغزو الأجنبي ، وسمّيت هذه المرحلة بالثورة المدنية . كلّ ذلك قدّمه الدكتور جمال تمّوم بالوثيقة الأثرية والكشف الصريح ، برهاناً على التكامل والامتداد والترابط بين كل مراحل التاريخ البشري ، سواء تلك التي سبقت الكتابة الأولى ، أو التي لحقتها . وهي تشير إلى أنّ منطقة الشرق العربي القديم ، كانت المنطقة التي حصلت فيها التحولات الحضارية الكبرى . لقد سبق الكتابة طور ممهّد لها ، استخدم الإنسان فيه رموزاً مصنوعة من الطين لتوصيف منتجات الزراعة من حبوب وفاكهة وزيوت وغير ذلك من الماشية المدجنة ، وذلك في عمليات التجارة وتبادل المنتجات . كما وجدت أنواع مختلفة من هذه الرموز في عدد من المواقع وما هذه الرموز إلا عبارة عن عمليات التسجيل ، وهي مرحلة سبقت الكتابة إنّ التطور في مجتمع قروي بسيط إلى مجتمع مدني مركّب ، لم يكن مفاجئاً وإنما كان صعوداً تدريجياً متكاملاً ، وأحيطت المدن بسور وبجملة من التحصينات ، هذه المنشآت والأعمال الضخمة ، تحتاج إلى عدد كبير من العمال ، وبالتالي إلى سلطة مركزية التي تطورت فيما بعد لتصبح دولة . وهذا لم يتم إلا بواسطة السيطرة والقوّة ، وأقواها هي التي بسطت نفوذها على بقية المجموعات والقبائل لتشكل المملكة ، وأخيراً الإمبراطورية . يركز الكتاب على دور سورية الحضاري فيما قدمته للبشرية من لقى أثرية وفخار وألواح طينية وبيوت ومعابد وقصور وأختام . هذه الحضارة ، أعتقد جازماً ، أنها لن تزول وستبقى من البحر إلى البادية ومن النهر إلى الجبل . وستظل دائماً شمسها تشرق من جديد . |
|