|
شؤون سياسية أما الطابق الأول من الشعور المركب فهو هذا القلق واللهفة على سورية ولهذا الشعور مبرراته فهناك حالة من الحشد والتجييش ضد سورية على المستويات العربية والإقليمية والدولية تبرر هذه المشاعر الصعبة ولاسيما أن المنهج الذي مضت فيه عملية الحشد على سورية يقوم على صفتي الشمولية والانقلابية بطريقة الانكسار الحاد، أما الشمولية فنراها في هذا الاستخدام الشامل للأسلحة جميعها المادية منها والمعنوية، العسكرية منها والإعلامية والمالية. وأما الانقلابية فنراها من خلال حالة التبدل الخطر في مواقف الدول وفي مقدمتها مجلس التعاون الخليجي وكأن هناك ثأراً قديماً بين أعراب الخليج والعرب في كل مكان، وبهذا السياق فإن الاختلاط يراد له أن يستوطن هذا المحور ذلك أن أسلوبية الانقلاب وما يرافقها من أحقاد واختطاف لكل المصادر المشروعة سواء أكانت الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة إنما تترافق بمؤشرات ومدلولات أساسها خدمة مشروع الصهيونية العالمية ودول الاستعمار الغربي وكأن حكام الخليج هم جنود من النوع القميء في هذه المهمة الصهيونية الامبريالية، إن كل شيء يجري في هذا الاتجاه وفي إيقاع الخطوات الامبريالية الصهيونية. والأمر عجيب ومحير ووصفه بالانقلابية لايكفي فالمسألة هذه وهي نوعية ومكشوفة إلى حد الوقاحة لن تكون ابنة ساعتها ولا يمكن استيعابها على أساس أن الأسر الحاكمة في الخليج لديها هذا المد الحضاري العريق في تشكيلات الديمقراطية وفي البحث عن حقوق الإنسان وفي مساندة العرب حينما يتعرض أي موقع عربي للخطر إن الأسر الحاكمة هذه وفي مقدمتها آل سعود وآل ثاني وآل خليفة وآل نهيان معروفة على مستوى العالم كله بأنها قطع بشرية في مناخ مغلق ليس فيه سوى الزخرفة ومنها الزي العربي وليس فيه سوى هذه النتوءات المسلكية التي يعرفها العالم كله عن حكام الخليج وأمراء الخليج ومشايخ الخليج وأغنياء الخليج والتندر عن ممارسات هؤلاء مبثوثة ومتداولة في كل وسائل الإعلام وثقافات العالم المتحضر. وليس لهم من وظيفة سوى الإطباق على الثروة النفطية والغازية وزجها في خدمة الأجنبي وتبذيرها على المتع والأنماط الاستهلاكية والاحتفاظ بنسبة من هذه الثروة لتدفع كفواتير بالمليارات لدول الغرب الاستعماري ويبدو أن هناك نسبة من هذا المال الحرام خصصت مؤخراً لإسقاط سورية الوطن والذاكرة والتاريخ ومع ذلك وفي مجال الحالة الانقلابية هذه يتساءل كل عربي بل كل عاقل متحضر لديه إحساس ولديه عقل على مستوى العالم كله يتساءل كيف مرّر هؤلاء الحكام في الخليج دورهم وكيف قبلوا هذا المستوى الرخيص من تعميم القتل العربي ومن خدمة الصهيونية والكيان الإسرائيلي والغرب على حدّ سواء ومن موجبات هذا السؤال وتفرعاته كيف انطلت الحيلة على العرب العاديين أي على المواقع الحضارية مثل سورية والعراق ومصر والجزائر والسودان؟ كيف صدقنا أن العروبة ما زالت موجودة على قيد الحياة عند هؤلاء الحكام في الخليج وقد سوقناهم وفتحنا لهم أبواب الدخول والخروج إلى سورية وغيرها. واعتقد الكثيرون أن لهم دوراً في التضامن العربي وفي خدمة القضايا العربية وفي حل الإشكالات العربية، هل نحن مغفلون إلى هذه الدرجة أم حكام الخليج نصابون إلى هذه الدرجة أم هو مزيج الأمرين معاً لكن لابد أن نلاحظ هذه النقطة المحيرة فهل صار المال قادراً على شراء الضمائر وبيع الكرامات إلى هذه الدرجة، هذا التساؤل نرفقه بمعطيات ووثائق هذا الاندفاع من الحقد الخليجي على سورية، ما زلنا حتى الآن في ظلال المفاجأة ولكن كل واحد منّا شعر بالتقزز وبالصدمة وهو يتابع موقف دول الخليج الرخيص والمفعم ظلماً وفساداً وصديداً وعفناً، وعلى كل حال هذا ما حدث ولابد أن نعتبر من درسه وخصائصه فالمسألة لم تعد عروبة المظهر وصياغة المصطلحات الخادعة والتلطي بالعباءات منذ هذه اللحظة وسورية هي البداية لابد أن نصحو على دور أسر الخليج وأن نستعيد الإسلام والعروبة والقيم الإنسانية من أيديهم القذرة ونفوسهم المنخورة وأن ننتقل فوراً إلى حالة الهجوم الفكري والسياسي والثقافي على هذه المواقع الخليجية التي آلمتنا حتى العظم. ثم هناك الطابق الثاني الذي يقدم الحدث السوري على هذا المستوى من القوة والتفاعل والانتشار ونعرف جميعاً أن سورية العربية بحدثها الراهن صارت مفترق الطرق عند كل شعوب الدنيا وأن التأريخ للمراحل المقبلة سيكون سورياً كما كانت حضارات العالم القديم تؤرخ بالحدث السوري آنذاك، إن هذا المعنى لايمكن أن يمر بدون اهتمام وبدون التقاط مؤشراته القصوى والحيوية فهذه هي سورية عظيمة باستقرارها وعظيمة بأزمتها وكأنما هي محور العالم تستقطب من الدنيا كلها معالم الخير والسلام وتشع على الدنيا كلها موجات الخير والسلام وهي ثابتة بتأثيرها لاتتراجع أمام عاديات الزمن ولا تنتكس أمام همجية قوى الشر في العالم، دورها ثابت واضح حتى ولو كانت في طرف وقوى العالم الشرير جميعاً في الطرف الآخر بل نعرف ونعترف في هذه الأيام أننا ننتمي إلى قيم ووطن وأنساق حضارية تجذرت في سورية وصارت عصية على الانكسار والهزيمة والزوال، ذلك هو المعنى من قلب العاصفة ومن جوف العتمة وليشرب الساقطون البحر. |
|