|
لوموند في مطار العاصمة الليبية طرابلس قبل وصول البشير إليها ببضعة أشهر بفعل تدخل عسكري دولي كان لفرنسا الدور الأبرز والأخطر فيه.. و اقع الأمر أن الرئيس السوداني استقبل بحفاوة بالغة من قبل الأعضاء الجدد في الحكومة الليبية العتيدة، جنباً إلى جنب مع رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل الذي تم تتويجه (بطلاً) مزعوماً على القيم من قبل قادة فرنسا. بإمكاننا إيجاد تفسيرات جيوسياسية للمشهد الليبي- السوداني في تلك الآونة و الذي يعجز عن طمس واقع استطاعت المنظمة الإنسانية الدولية «هيومن رايتس ووتش» إماطة اللثام عنه و مفاده أن الترتيبات و الاستعدادات التي أتقنت تماماً من أجل استقبال البشير قد زرعت في الحقيقة «بذور اضطراب» في إطار التزام السلطات الليبية الجديدة بحقوق الإنسان، كما أننا استطعنا استحضار ما قام به مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي الليبي حين كان وزيراً للعدل في حكومة القذافي من سعي محموم للإثبات و تأكيد المعلومات المتعلقة بشكل وثيق بالجرم الذي ارتكب بحق الممرضات البلغاريات في أحد المشافي الليبية. وبحسب المجلس الانتقالي الليبي، فإن الفضل الكبير يعود في كل الأحوال للرئيس السوداني عمر البشير الذي ساهم بتمويل المتمردين على نظام القذافي بالأسلحة الحربية المتنوعة، و اليوم نجد في ليبيا أن الضرورة هي التي تخلق القانون من رحمها.. التهديدات العشوائية التي تقذف بها الميليشيات المسلحة تدفع بالليبيين لتلمس شتى المساعدات الإقليمية المتاحة.. ليبيا غير منضوية في إطار قانون روما المؤسس لمحكمة العدل الدولية وبالتالي فهي غير ملزمة رسمياً بتقديم مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني الضيف على أراضيها.. إنما الأمر المثير للعجب ليس ما يحدث في العاصمة طرابلس وحسب بل في كيفية ردود الفعل الغريبة حيال إقامة الرئيس السوداني عمر البشير في ليبيا: إنه الصمت الأصم المطبق!! خصوصاً و أن فرنسا لم تنبس ببنت شفة طيلة زيارته و استمرت نحو ثلاثة أيام، ولم تأتِ بتعليق حتى على عروضه السخية وتقديم خدماته في اتجاه إعادة تشكيل القوات الليبية المسلحة، بل إنها اكتفت بالتذكير «بموقفها الثابت و الدائم في دعوة دول الخليج للتعاون مع محكمة العدل الدولية» وليأتي تأسفها لزيارة البشير لليبيا في وقت متأخر.. لم تتخذ باريس أي خطوة لتثبيط عزيمة الليبيين عن قبول استضافة الرئيس السوداني في بلادهم لكونها كانت «تجهل أو تتجاهل » أن زيارته إنما رتب وأعد لها عشية قيام صحيفة «محكمة العدل» السودانية بتحرير خبر الزيارة تلك.. في الواقع، استفاد عمر البشير من الأخطاء الغريبة غير المقصودة عندما راح يتنقل بحرية تامة في التشاد حيث القوات الفرنسية المزروعة، وليلتقي كذلك بوزير فرنسا للتعاون، هنري دي رنكورت في جيبوتي..بيد أن هذا الأمر أحدث على نحو خاص الكثير من «الفجوات و الثغرات» في عناصر اللغة الفرنسية خصوصاً و أن هذه اللغة حرصت على التيقظ الاستثنائي طالما شكلت السبب الرئيسي و المحفز على حث همة المحكمة الدولية للعدل بخصوص جرائم دارفور عام 2005 وليبيا (26 شباط 2011) وذلك بالتصويت لصالح القرارات الصادرة من مجلس الأمن بخصوص هذين البلدين.. ومن جهة أخرى تشكل محكمة العدل الدولية جزءاً لا يتجزأ من إصدار بند «واجب الحماية» المشار إليه للتدخل في ليبيا.. إذاً كيف لنا أن نفسر هذا الضعف و التخلف؟ لعل اعتزام السلطات الليبية الجديدة على الاحتفاظ ببعض «الميزات والحسنات» الفرنسية لأمر بديهي.. وثمة تقديرات أخرى تتسرب مثل: لماذا لا يصار إلى مجابهة قطر؟ الإمارات العربية المتحدة الحليف القوي لفرنسا في عملياتها العسكرية على الأراضي الليبية كانت تناور عندما قام السودان بدور مهم حيال الملف السوري، إذ سارع لوضع أحد دبلوماسييه على رأس بعثة المراقبين العرب التابعة للجامعة العربية. وفي الختام بدت فرنسا وهي منشغلة بإحداث ضجة إعلامية صاخبة مؤخراً إزاء المجزرة الأرمنية التي ارتكبتها الحكومة العثمانية عام 1951، بدت فاقدة لذاكرتها حيال ما تقتضيه الجرائم الأشد هولاً في التاريخ كتحرير عقوبات تناسب مقامها بالتمام.. كما وتعمدت التناسي بعدم وجوب تمتع السلطات الليبية بحرية تقرير مصير ابن الرئيس الليبي، سيف الإسلام المعتقل حالياً في المنطقة الجنوبية من البلاد، لكنها ومع ذلك ارتأت وجوب أن تخضع هذه السلطات لقرارات المحكمة الجنائية الدولية بخصوص حيز و أحكام دعوتهم، وكانت منحتهم مهلة محددة لا تتجاوز أوائل شباط الحالي لتوضيح وتصفية نياتهم.. وبسبب مواقفها السياسية المشوشة، عرضت فرنسا نفسها لاتهامات، كاتباعها «سياسة الكيل بمكيالين» وبناء على هذه السياسة كان الغرب يولي اهتمامه لمحكمة العدل الدولية فقط في حال حفظت هذه الأخيرة مصالحه و ما أكثرها.. لتخلق فرنسا بسياستها هذه ثغرة بل فجوة كبيرة كان من الممكن أن تتقلص فيما لو كفّ قادتها السياسيون و مفكروها المساندون لهم في ركب المغامرة الليبية، سابقاً، عن إدانة الجرائم المرتكبة في دارفور، قبل أن يلجؤوا، لابتكار وضعية «حقوق الإنسان» وطنية من أجل فرنسا عام 2011 لشن حرب على الرئيس الليبي معمر القذافي.. بقلم: ناتالي نوغايريدز |
|