|
معاً على الطريق كثيراً ما يحتد قائلاً: (إذا لم يعجبك رأيي اتركني أفكر وأعمل كما أريد). وعندما يشتد غضبه قد يكون رده: (عليك بنفسك). وبطبيعة الحال فإن الحوار لابد أن ينقطع عند هذه النقطة, فيمضي كل في دربه معتقداً أنه وحده على صواب فيما قال أو فعل, وأن خطأ ما لا يمكن أن يرتكبه لأنه إنسان منزه وليس كسواه ممن يخطئون في القول والفعل. وفي كل الأحوال, فإن موقفاً كهذا لابد أن تنجم عنه خسارة, ويتضاعف حجم هذه الخسارة حين تصيب ليس فرداً أو اثنين من الناس المتحاورين على الصحيح والخطأ, ولكن حين تتخطا كليهما لتشمل رقعة أوسع من مكان وجودهما - على غرار ما يحدث في العمل السياسي أحياناً - وخاصة حين يعطي أحد الأقوياء لنفسه حق القول (هذا خطأ وهذا صواب), قد تبنى على مثل هذا الادعاء كارثة لها أول وليس لها آخر. وليس معنى هذا الكلام أن يضطر أحدنا إلى قولبة رأيه بما يتطابق مع ما يراه سواه من دون مناقشة أو تقليب الرأي بعيداً عن منطق الموضوعية في مناقشة الأمور التي تكون موضع الاختلاف وتتعارض مع المنطق الموضوعي. بالعكس تماماً, عندما تنبع القناعة برأي الآخر أيضاً لابد أن يتبدى ما نسميه عادة بالقاسم المشترك, ويتم الاتفاق على شيء ما, ولا يكون الاعتداد بالنفس أو المغالاة بأن هذا الطرف أو ذاك على صواب وكل الذين على بقية الأطراف هم على خطأ. إن الحوار ضمن هذه المعادلة, في اعتقادنا, تكون له ما للمرتكزات التي ينهض عليها البناء, أو الأساس الذي يبنى عليه الجسر من ضرورة حتمية. ولا يضير الإنسان أن يخطئ في مسألة ويصيب في مسألة. إن ما يضير الإنسان هو التشبث بالرأي والموقف لمجرد التشبث, وغالباً ما يكون صاحب هذه الرؤية بعيداً عن المنطق, وبذلك يدخل فيما يشبه الدوامة في عمق البحر ولا يجد درباً لخلاصه من مخاطر الغرق فيها. ولهذا الاعتبار كثيراً ما تتشابك الأقوال والأفعال, مع بعضها بعضاً, وأيضاً كثيراً ما ينجم عنها ما لم يكن في الحسبان, وخاصة حين تتضخم ال(أنا) على هذا الجانب أو ذاك, وأحياناً إلى حد الاعتماد على أسلوب القهر أو التهديد أو ممارسة القوة على الجانب الأضعف, بقصد جره إلى واقع الاستسلام تمهيداً لصرعه بالضربة القاضية. كذلك نحن نعيش في أيامنا هذه, في مواجهة الإرادات التي تُستمد من قناعة أصحابها بأنهم على صواب وما عداهم على خطأ, وبأن ما يقال عن الحق والعدالة والمنطق مجرد نظريات بادت مع مرور السنوات ودخول العالم عتبة قرن الأقوياء الذين يملكون سلاح الكلمة إلى جانب بقية أنواع الأسلحة بما في ذلك سلاح الدبلوماسية القادرة على تشويه الحقائق عند اللزوم على حساب الحق والعدالة والمنطق. من هنا بدأ يتنامى على الطرف الآخر الشعور بالخوف على المصير, ولا أحد في مثل الحالة يستطيع تصور كم سيكون حجم الخسارة التي تطول الكل حتماً وليس الجزء فقط. يتنامى في أوساط الرأي العام العالمي الرأي بأن القناعة حتى تبنى على الحوار, من غير المحتمل أن ينحاز موقفاً لا يقبل المناقشة أو إعادة النظر, فيما |
|