تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إسرائيل والمشروع النووي الإيراني

دراسات
الأحد 6/11/2005م
حسن حسن

في سياق التحريض ضد إيران, وكتلخيص للتوجيهات الإسرائيلية في هذا المعني,

يوحي سيل المواد المنشورة في إسرائيل حول الخطر الإيراني بوجود مسعي واضح لوضع إيران في مقدمة الأطراف المستهدفة أميركيا بعد العراق, والاعتبارات الرئيسية لذلك كما حددها وزير الخارجية الإسرائيلي سلفان شالوم أن إيران تمثل خليطا خطرا من الايديولوجيا المتطرفة, وتأييد الإرهاب والمحاولات المستمرة لحيازة أسلحة الدمار الشامل ويزعم شالوم أن إيران تشكل تهديدا حقيقيا علي استقرار المنطقة وأن إسرائيل ليست الوحيدة التي تعاني جراء ذلك, والمقصود هنا ضمن أمور أخري دعوة مبطنة للتعاون بين إسرائيل والدول التي يتهددها الخطر الإيراني المزعوم إسرائيليا.‏

المعلق العسكري الإسرائيلي اليكس فيشمان تحدث في (يديعوت احرونوت) عما أسماه استعداد الجيش الإسرائيلي للقنبلة النووية الإيرانية عام 2005 وقال: إن التهديد النووي لم يعد مسألة نظرية فللمرة الأولي يقوم الجيش الإسرائيلي بإعداد خطة عمله للسنوات الخمس القادمة في ظل خطر نووي ملموس من جانب دولة معادية هي إيران, وأضاف فيشمان: عندما ستحصل إيران علي السلاح النووي ستستكمل الصورة من وجهة نظرها, حيث ستفقد إسرائيل أحد عناصر قوتها الردعية الأساسية, فالعالم العربي يعتقد اليوم أن لدي إسرائيل 400 قنبلة نووية يمكنها أن تدمر الشرق الأوسط مئات المرات وظهور قوة ردعية نووية إيرانية يمكنه أن يزيل هذا التفوق, وفي مثل هذا الوضع سيتسبب ذلك بازدياد إقدام الجهات الأصولية للمس بإسرائيل لأن قدراتها علي الرد ستصبح محدودة.‏

وفي تحليل بعنوان (ماذا يخفي الإيرانيون) قال البروفسور جيرالد شتاينبرغ رئيس قسم الإدارة وحل النزاعات في جامعة بارايلان: في وضعنا الحالي لا يشكل المفاعل الإيراني بالنسبة لنا تهديدا حقيقيا ولكن الإيرانيون يواصلون تطويره ولديهم البنية التحتية التكنولوجية لتحويل قسم من المواد والمنشآت المرافقة الموجودة تحت تصرفهم لإنتاج قنبلة نووية, وعلينا أن نكون قلقين جدا من التقدم الحثيث في المسيرة الجارية الآن في إيران, ففي غضون سنة حتي ثلاث سنوات بإمكان الإيرانيين أن يستكملوا إقامة البنية التحتية لإنتاج مواد إشعاعية تشكل عناصر لإنتاج القنابل النووية.‏

وازداد التركيز الإسرائيلي علي الموضوع بعد مصادقة الحكومة الإيرانية علي تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع إنشاء محطة طاقة نووية في بوشهر, وعلي الرغم من أن الإيرانيين أكدوا مرارا أن محطة الطاقة النووية تقتصر علي الأغراض المدنية, إلا أن إسرائيل ظلت علي طول الخط تزعم بأبعاد عسكرية للمشروع النووي الإيراني وبالتالي الي فرض ذاته كأمر واقع علي الساحة الدولية, الأمر الذي تستغله إسرائيل في التحريض علي إيران والعداوة عليها.‏

وفي مقال مطول بعنوان (بين الثورة والقنبلة) يدعي المعلق عوفرشيلح أن الجري الإيراني وراء القنبلة النووية يعتبر الكابوس رقم واحد لإسرائيل, إذ يعتبر الجمع بين النظام الإسلامي والقنبلة النووية والقدرة الصاروخية التي تصل الي أراضي إسرائيل خلاصة لكل المخاوف الأمنية بالنسبة لإسرائيل, كما هرعت تحليلات إسرائيلية متعددة بخصوص التحذيرات الإيرانية من مغبة مهاجمة منشآت إيران النووية, والقول إن الكيان الصهيوني سيدفع الثمن باهظا إذا ما سولت له نفسه تنفيذ ما يفكر به, وما يجدر التوقف عنده, اعتقاد بعض المهتمين الإسرائيليين بالصعوبة البالغة التي تعترض الهجوم علي المشروع النووي الإيراني, والتشكيك بإمكانية نجاح إسرائيل في تحقيق هدفها, ويجدر بالذكر أن إسرائيل ستجد صعوبات في تصفية البرنامج النووي الإيراني في حملة (جرة قلم وانتهينا) فدرس تفجير المفاعل النووي العراقي عام 1991 استوعب جيدا لدي الإيرانيين,فالبرنامج النووي الإيراني لا يتركز في مكان واحد, بل في عدة مواقع وجميعها محمية جيدا, ومن أجل تصفية هذا المشروع لا يمكن الاكتفاء بطلعة قصف واحدة أو اثنتين بل الاستعداد لحملة عسكرية واسعة.‏

إن ما يريده الإسرائيليون هو تجريد إيران من كامل حقوقها وعناصر القوة عندها واجبارها علي قبول الاملاءات الأميركية والتوقف عن دعم كل حركات المقاومة الإسرائيلية وذلك لحمايتها وضمان مصالحها, إذا المطلوب إسرائيليا وأميركيا هو التصدي لروح وفكرة الممانعة.‏

ولا يستخفن أحد بهذا الأمر, خصوصا أمام الفشل الأميركي الذريع في العراق, والفشل الإسرائيلي في ضرب الانتفاضة في فلسطين وبالتالي أمام الغضب الأميركي-الإسرائيلي الذي قد يترجم أعمالا إرهابية إضافية ضد العرب والمسلمين في أي مكان وتحديدا في فلسطين والعراق ولبنان وسورية وإيران, وعلي هذا الأساس يجب أن نقرأ السياسات والتهديدات الأميركية-الإسرائيلية لهذه الدول, وأن نحتفظ بما لدينا من أوراق وعناصر ضاغطة ولا تزال كثيرة إذا أحسنا استعمالها, من انتفاضة فلسطين إلي مقاومة لبنان,الي الرفض والغضب في العراق الي الإعلام الذي يلعب دورا أساسيا في أي معركة ولا نعتقد أن ثمة خيارا آخر أمامنا.‏

إسرائيل تستخف بالعرب بل تحتقرهم وتدعي في الوقت ذاته أنها مهددة من قبلهم ولنتذكر أن السيد محمد البرادعي كان قد جاء الي إسرائيل من باب رفع العتب ليس إلا, إذ إن حملة إعلامية سبقته تواكب القرار السياسي الإسرائيلي القاضي بمنعه من زيارة المواقع النووية,ولا سيما موقع مفاعل ديمونا, وبالتالي فإن حكومة شارون مارست معه ما مارسته سابقا حكومة نتنياهو عام ,1998 والموقف لا يزال كما هو ولم ولن يتغير إذا لم يتغير العرب, ممنوعة زيارة المواقع النووية الإسرائيلية, ممنوع التفتيش والكشف عليها, ممنوع تجريد إسرائيل من أسلحتها وقرار المنع أميركي-اسرائيلي.‏

إن سخونة الواقع السياسي واستحقاقاته في العراق واستمرار التهديد المبطن والظاهر لإيران ما دفع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للإشارة الي خطورة الكيان الصهيوني علي المنطقة والعالم, مشددا علي ضرورة إخلاء المنطقة من جميع أسلحة الدمار الشامل,ومن ضمنها أكبر ترسانة لأنواع الأسلحة الكيماوية والجرثومية والنووية في العالم.‏

كما أكد نجاد أن إيران وانطلاقا من رغبتها في استخدام التقنية النووية للأغراض السلمية مستعدة لأي نوع من التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحت إشراف دولي, وأن من حق بلاده عدم تنازلها عن الاستفادة من الطاقة النووية للأغراض السلمية واستمرارها في النهج الذي رسمته لنفسها حتي لو أدي ذلك لوقف التعاون والإشراف لأن مصلحة الشعب والبلاد تقتضي ذلك, وإن إيران كانت دائما رائدة في مجال مكافحة أسلحة الدمار الشامل ومن ضمنها الكيماوية والجرثومية والنووية, ولم تفكر بامتلاك هذه الأسلحة لإيمانها بأنها تهدد البشرية وتتعارض مع القيم والمباديء الدينية.‏

من الواضح أن إيران ستمضي في استراتيجيتها نحو مواصلة جهودها في مجال الطاقة النووية المدنية, هذا الخيار تم تجديده مرارا, وما علي الغرب إلا تحديد خياره.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية